مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

(8) - الكلام على قوله تعالى: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٠٣}

صفحة 610 - الجزء 1

(٨) - الكلام على قوله تعالى: {لَّا تُدۡرِكُهُ ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَهُوَ يُدۡرِكُ ٱلۡأَبۡصَٰرَۖ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ ١٠٣}

  قَالَ البَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (ص/١٨٦): «{ٱلۡأَبۡصَٰرُ} جَمْعُ بَصَرٍ، وَهْوَ حَاسَّةُ النَّظَرِ، وَقَدْ يُقَالُ لِلْعَيْنِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا مَحَلُّهَا.

  وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى امْتِنَاعِ الرُّؤْيَةِ، وَهْوَ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الإِدْرَاكُ مُطْلَقَ الرُّؤْيَةِ، وَلَا النَّفْيُ فِي الآيَةِ عَامًّا فِي الأَوْقَاتِ فَلَعَلَّهُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْحَالَاتِ، وَلَا فِي الأَشْخَاصِ؛ فَإِنَّهُ فِي قُوَّةِ قَوْلِنَا: لَا كُلُّ بَصَرٍ يُدْرِكُهُ، مَعَ أَنَّ النَّفْيَ لَا يُوجِبُ الاِمْتِنَاعَ».

  قَالَ مَوْلَانَا الإِمَامُ الْحُجَّةُ مَجْدالدِّين الْمُؤَيَّدِيُّ #: أَمَّا إِذَا أُضِيفَ الإِدْرَاكُ إِلَى البَصَرِ فَهْوَ لِلْرُّؤْيَةِ⁣(⁣١).

  وَالنَّفْيُ هُنَا عَامٌّ؛ لِأَنَّهُ تَمَدُّحٌ، فَيُفِيدُ عُمُومَ الأَوْقَاتِ وَالأَشْخَاصِ⁣(⁣٢).

  وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُهُ أَصْلًا؛ وَإِلَّا انْتَقَضَ الْمَدْحُ.

  وَيُفِيدُ الاِمْتِنَاعَ؛ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِلْتَّمَدُّحِ مَعْنًى؛ إِذْ غَيْرُهُ تَعَالَى كَذَلِكَ، لَا يُدْرَكُ فِي كُلِّ الْحَالَاتِ بِكُلِّ بَصَرٍ، فَيَصِيرُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا: أَنَّهُ تَعَالَى تَمَدَّحَ بِأَنَّهُ مِثْلُ كُلِّ شَيءٍ لَا يُدْرَكُ فِي كُلِّ الأَوْقَاتِ لِكُلِّ الأَشْخَاصِ؛ {فَإِنَّهَا لَا تَعۡمَى ٱلۡأَبۡصَٰرُ وَلَٰكِن تَعۡمَى ٱلۡقُلُوبُ ٱلَّتِي فِي ٱلصُّدُورِ ٤٦}⁣[الحج].


(١) والإدراك الذي تمدح الله تعالى بنفيه عنه في هذه الآية الكريمة المحكمة مضافٌ إلى البصر، فيكون بمعنى الرؤية البصرية، وقد نَصَّ أهل اللغة على ذلك.

قال أبو بكر الجَصَّاص - إمام الحنفية في زمانه - في كتابه (أحكام القرآن) (٣/ ٦) ط: (دار الكتب العلمية): «لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ قَوْلَ القَائِلِ: أَدْرَكْتُ بِبَصَرِي شَخْصًا، مَعْنَاهُ: رَأَيْتُهُ بِبَصَرِي». وقال الجوهري في (الصحاح) (ط ٤/ج ٤/ص ١٥٨٢): «وَأَدْرَكْتُهُ بِبَصَرِي: أَيْ رَأَيْتُهُ». وقال ابن منظور في (لسان العرب) (ط ١/ج ١٠/ ٥٠٦): «وَأَدْرَكْتُهُ بِبَصَرِي: رَأَيْتُهُ». وفي (مختار الصحاح) (١/ ٨٥): «وَأَدْرَكَهُ بِبَصَرِهِ: أَيْ رَأَىهُ». وقال الزبيدي في (تاج العروس) (٢٧/ ١٤٤): «وَأَدْرَكْتُهُ بِبَصَرِي: رَأَيْتُهُ».

(٢) انظر البحث تحت عنوان (بحث في نفي الرؤية عن الله تعالى) المتقدِّم قريباً في القسم الثاني من هذا الكتاب: مجمع الفوائد للإمام الحجّة مجدالدين المؤيدي #.