مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

(7) - [الكلام على إيمان المكره]

صفحة 609 - الجزء 1

  قَالَ البَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ (ص/١٢٣): «{إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٗا ٩٤} عَالِمًا بِهِ، وَبِالْغَرَضِ مِنْهُ، فَلَا تَتهَافَتُوا فِي القَتْلِ، وَاحْتَاطُوا فِيهِ.

  رُوِي أَنَّ سَرِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ ÷ غَزَتْ أَهْلَ فَدَك، فَهَرَبُوا وَبَقِيَ مِرْدَاسُ؛ ثِقَةً بِإِسْلاَمِهِ، فَلَمَّا رَأَى الْخَيْلَ أَلْجَأَ غَنَمَهُ إِلَى عَاقُولٍ⁣(⁣١) مِنَ الْجَبَلِ وَصَعِدَ، فَلَمَّا تَلاَحَقُوا بِهِ وَكَبَّرُوا كَبَّرَ وَنَزَلَ وَقَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ، وَاسْتَاقَ غَنَمَهُ، فَنَزَلَتْ.

  وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمِقْدَادِ، مَرَّ بِرَجُلٍ فِي غَنَمِهِ فَأَرَادَ قَتْلَهُ، فَقَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ، وَقَالَ: وَدَّ لَوْ فَرَّ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ.

  وَفِيهِ: دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ الْمُكْرَهِ، وَأَنَّ الْمُجْتَهِدَ قَدْ يُخْطِئ، وَأَنَّ خَطَأَهُ مُغْتَفَرٌ».

  قَالَ مَوْلَانَا الإِمَامُ الْحُجَّةُ مَجْدالدِّين الْمُؤَيَّدِيُّ #: لَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى صِحَّةِ إِيمَانِ الْمُكْرَهِ؛ وَإِنَّمَا فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفِّ عَمَّنْ أَظْهَرَ الإِسْلَامَ، وَلِهَذَا قَالَ ÷: «هَلَّا فَتَّشْتَ عَلَى سُوَيْدَاءِ قَلْبِهِ»، وَقَالَ: «وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».

  وَلَا دَلِيلَ فِي هَذَا عَلَى أَنَّ الْخَطَأَ مُغْتَفَرٌ، فَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ قَتْلَهُ غَايَةَ الإِنْكَارِ، غَايَتُهُ: أَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ القَصَاصَ، وَلَعَلَّهُ لِعَدَمِ الوَلِيِّ الْمُسْتَحِقِّ لِلْمُطَالَبَةِ بِهِ، أَوْ لِلْجَهْلِ لِعَدَمِ جَوَازِ القَتْلِ لِمِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا، لَكِنَّهُ شُبْهَةٌ فِي إِسْقَاطِ القَوَدِ.

  وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلِعَدَمِ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا، كَالَّذِي مِنْ قُومٍ عَدُوٍّ وَهْوَ مَؤْمِنٌ وَلَيْسَ لَهُمْ مِيثَاقٌ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.


(١) قال الشهاب في حاشيته على البيضاوي: «وَألجأَ غنمَهُ إِلَى عاقول أي: سَاقَهَا، والعاقول: الغار»، وقال في (القاموس): «العَاقُولُ: مُعْظَمُ البَحْرِ، أو مَوْجُهُ، ومَعْطِفُ الوادي والنَّهْرِ، ومَا التَبَسَ من الأُمورِ، والأَرضُ لا يُهْتَدَى لها، ونَبْتٌ».