فتاوى وبحوث فقهية
  لَفْظًا، فَعُلِمَ أَنَّهُ رَدَّ النَّاسَ إِلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ طَلاَقًا، فَأَيُّ لَفْظٍ جَرَى عُرْفُهُم وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ مَعَ النِّيَّةِ، وَالأَلْفَاظُ لَا تُرَادُ بِعَيْنِهَا، بَلْ لِلْدَّلَالَةِ عَلَى مَقَاصِدِ لَافِظِهَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى وَقَصَدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى تَرَتَّبَ عَلَيْهُ حُكْمُهُ.
  وَلِهَذَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنَ الْعَجَمِيِّ وَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ بِأَلْسِنَتِهِم، بَلْ لَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُم بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ بِالعَرَبِيَّةِ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيءٌ قَطْعًا.
  وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَمْثَالِهِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ، - وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ: «الْحَقِي بِأَهْلِكِ» -.
  قَالَ: وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي سَائِرِ الأَلْفَاظِ، صَرِيحِهَا وَكِنَايَتِهَا. حَتَّى قَالَ:
  وَتَقْسِيمُ الأَلْفَاظِ إِلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَقْسِيمًا صَحِيحًا فِي أَصْلِ الوَضْعِ، لَكِنْ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الأَشْخَاصِ وَالأَزْمِنَةِ وَالأَمْكِنَةِ، فَلَيْسَ حُكْمًا ثَابِتًا لِلَّفْظِ ذَاتِهِ، فَرُبَّ لَفْظٍ صَرِيحٍ عِنْدَ قَوْمٍ كِنَايَةٌ عِنْدَ آخَرِينَ، إِلَى آخِرِهِ.
  إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ، فَهَذَا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ السَّائِلُ، وَهْوَ قَوْلُ: «اعْتَبِرِي نَفْسَكِ مُطَلَّقَةً»، بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أَمْرٌ لَهَا بِاعْتِبَارِ نَفْسِهَا كَذَلِكَ، وَاعْتِبَارُ نَفْسِهَا مُطَلَّقَةً لَيْسَ بِصَرِيحِ طَلَاقٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى: افْرضِي، أَوْ قَدِّرِي، أَوِ احْسبِي، أَوِ اجْعَلِي، وَغَايَةُ مَا فِيهِ: أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقْصِدَ بِذَلِكَ إِيقَاعَ الطَّلَاقِ، أَوِ الإِقْرَارَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهُ.
  وَقَدْ أَقْسَمَ السَّائِلُ بِاللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ طَلاَقًا، وَلَمْ يَزِدْ رَسُولُ اللَّهِ ÷ عَلَى تَحْلِيفِ رُكَانَةَ فِي خَبَرِهِ الْمَعْرُوفِ فِي الطَّلَاقِ(١).
(١) إذ فيه أنَّ رسول الله ÷ حَلَّفَ رُكَانَةَ أنَّه مَا أَرادَ إلَّا واحدة.
وهذا الحديث بألفاظه وسياقاته رواه كثير من أئمة أهل البيت $ والمحدثين، من أئمتنا $: رواه الإمام المؤيد بالله في (شرح التجريد) (٣/ ٢٧٧)، والإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان في (أُصول الأحكام) (١/ ٦٦٠)، رقم (١٥٨٥)، والسيد الإمام الحسين بن محمد في (الشفا) (٢/ ٣١١)، ومن المحدثين: أبو داود الطَّيَالِسِيُّ في (المسند) (٢/ ٥١٠)، رقم (١٢٨٤)، وابن أبي شيبة في (المصنَّف) (٩/ ٥٩١)، رقم (١٨٤٣٧)، ولفظه: أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ اَلْبَتَّةَ، فَأَتَى النَّبِيَّ ÷ فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ: «مَا أَرَدْتَ بِهَا؟». فَقَالَ: وَاحِدَةً، قَالَ: «آللَّهِ مَا أَرَدْتَ بِهَا إلَّا وَاحِدَةً؟» قَالَ: آللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِهَا إِلَّا =