فتاوى وبحوث فقهية
  
  الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلى آلِهِ الطَّاهِرِينَ:
  وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، وَبَعْدُ:
  فَقَدْ كَانَ الاطِّلَاعُ عَلَى السُّؤَالِ الْمُؤَرَّخِ فِي (٢/ ٨/١٣٨٩ هـ)، وَهَذَا السُّؤَالُ عَظِيمُ الْخَطَرِ، جَلِيلُ الأَثَرِ، قَد اخْتَلَفَتْ فِيهِ الأَنْظَارُ، وَتَبَايَنَتِ الآرَاءُ مِنْ عَهْدِ الصَّدْرِ الأَوَّلِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ.
  وَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُفْتِي: أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ بَعْدَ تَحْقِيقِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ رَبِّهِ، وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ ÷.
  وَعَلَى الْمُسْتَفْتِي: أَنْ يُرَاقِبَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُحَاسِبَ نَفْسَهُ، وَلَا يُؤْثِرَ شَهْوَتَهُ عَلَى دِينِهِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ عَلَّامُ السَّرَائِرِ، وَالْمُطَّلِعُ عَلَى الضَّمَائِرِ، {يَعۡلَمُ خَآئِنَةَ ٱلۡأَعۡيُنِ وَمَا تُخۡفِي ٱلصُّدُورُ ١٩}[غافر].
  وَليَعْلَمَ أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا ارْتِكَابُ الْمَحْظُورِ، وَاسْتِمْرَارُ الْمَوَارِيثِ وَالأَنْسَابِ إِلَى الأَبَدِ، وَلَا تَنْفَعُهُ الفَتْوَى إِنْ كَانَ الوَاقِعُ خِلَافَ مَا أَبْدَاهُ.
  فَأَقُولُ: الْجَوَابُ، وَاللَّهُ الهَادِي إِلَى الصَّوَابِ:
  الَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّ هَذَا الطَّلَاقَ الْمُتَتَابِعَ سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَوْ بِأَلْفَاظٍ لَا يَقَعُ بِهِ إلَّا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَقْصِدِ الْمُطَلِّقُ إِيقَاعَ الثَّلَاثِ.
  وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ: خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ ®: كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ÷، وَأَبِي بَكْرٍ، وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً، فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ، فَلَوْ أَمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِمْ، فَأَمْضَاهُ، وَهَذَا خَبَرٌ لَا نِزَاعَ فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْعِتْرَةِ وَالْمُحَدِّثِينَ.
  وَقُلْنَا: إِنَّهُ إِنْ نَوَاهُ وَقَعَ؛ لِمَا فِي الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ÷ حَلَّفَ رُكَانَةَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ إِلَّا وَاحِدَةً، وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ طَلَاقُ الثَّلَاثِ.