مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 678 - الجزء 1

  كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي نَوْعٍ مِنَ الْعَمَلِ تَتِمُّ الْمَصْلَحَةُ بِالْمَجْمُوعِ، سَوَاءٌ اسْتَوَى مَحْصُولُهُم أَوِ اخْتَلَفَ، وَسَوَاءٌ كَانُوا إِخْوَةً أَوْ غَيْرَهُم.

  فَمَرْجِعُهَا عِنْدَهُم إِلَى شُرْكَةِ الأَبْدَانِ، لَكِنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إِلَى عَقْدٍ؛ إِذِ الْجُرِيُّ عَلَيْهَا رِضًا بِالتَّسَاوِي فِي الْمُسْتَفَادِ.

  وَقَاعِدَتُهُم: أَنَّ الْعُرْفَ الْجَارِيَ كَالشَّرْطِ الْمَنْطُوقِ بِهِ، وَالْعُرْفُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الشَّرْعِ مَعْمُولٌ بِهِ مَا لَمْ يُصَادِمْ نَصًّا، وَلَا نَصَّ هُنَا، وَمَا اسْتَحْسَنَهُ الْمُسْلِمُونَ فَهْوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ، فَلِهَذَا قَالُوا يَسْتَوُونَ فِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ.

  وَلِلْمُتَوَكِّلِ عَلَى اللَّهِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ القَاسِمِ @ فِي هَذَا كَلَامٌ جَيِّدٌ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ التَّسَاوِيَ هُوَ الْعَدْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ÷: «إِنَّمَا رُزِقْتَ بِمُوَاظَبَةِ أَخِيكَ عَلَى الْمَسْجِدِ»، إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ.

  نَعَم، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْمَذْكُورِينَ فَلَعَلَّهُ كَانَ لِمَنْ فَضَّلَهُ دَخْلٌ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْكَسْبِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، أَوْ أَنَّ لَهُ سَعْيًا مِنْ قَبْلِ بُلُوغِ إِخْوَتِهِ.

  وَالْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَإِنَّمَا القَصْدُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّوَابُ.

  وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنَ التَّفْضِيلِ فِي العَادَةِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلِ الْمُسْتَكْثِرُ فِيهَا كَمَنِ الْتَزَمَ فِيهَا الفَرَائِض.

  وَقَوْلُكُم: كَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ لَهُ الدَّخْلُ بِكَدْحِهِ وَتَعَبِهِ. إلخ.

  فَالْجَوَابُ: أَمَّا التَّفَاضُلُ فِي الأَجْرِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ، فَسَيُجَازِي اللَّهُ تَعالى الْعِبَادَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَكِتَابُهُ تَعَالَى لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، وَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي شَيءٍ، وَلَا نُنْكِرُ أَنَّ صَاحِبَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ سَيُجَازَى فِي الآخِرَةِ بِحَسَبِ عَمَلِهِ.

  أَمَّا فِي الْكَسْبِ وَالاِسْتِفَادَةِ فِي الْمَالِ فَدُخُولُهُ فِي الشُّرْكَةِ هَذِهِ رِضًا مِنْهُ بِالْمُسَاوَاةِ.

  وَقَد اسْتَحَقَّ شُرَكَاؤُهُ الْمُشَارَكَةَ فِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْمَفْرُوضَةِ - الَّتِي لَا سَبِيلَ إِلَى التَّحْقِيقِ فِيهَا - بِرِضَاهُ، كَمَا لَوُ وَهَبَهُ لَهُمْ بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ.