فتاوى وبحوث فقهية
  فَالْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي لَمْ يَخْتَلِفَا فِي الْعَقْدِ، بَلْ أَوْجَبَاهُ وَاتَّفَقَا عَلَيْهِ.
  ثَالِثًا: أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ #، وَهْوَ مَعَ الْحَقِّ وَالْقُرَأَىنِ، وَالْحَقُّ وَالْقُرْآنُ مَعَهُ، وَقَوْلُ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ وَالصَّحَابَةِ، كَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي بَرْزَةَ، وَهُمْ أَعْرَفُ النَّاسِ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ.
  وَأَمَّا قَوْلُ الإِمَامِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ @: (إنَّمَا يَقُولُ بِالْفُرْقَةِ بِالأَبْدَانِ مَنْ لَا يَعْرِفُ كَلَامَ العَرَبِ)، إِلخ، فَهْوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ قَصَرَ الْفُرْقَةَ عَلَى الأَبْدَانِ، وَلَمْ يُثْبِتِ الْفُرْقَةَ بِالأَقْوَالِ وَالْعَقَائِدِ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْحَصْرِ فِي قَوْلِهِ #: (وَإِنَّمَا يَقُولُ بِالْفُرْقَةِ بِالأَبْدَانِ) إِلخ.
  فَنَحْنُ نُثْبِتُ الْفُرْقَةَ بِالأَقْوَالِ لَكَنْ مَعَ الاخْتِلَافِ، كَالآيَاتِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الإِمَامُ، مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ} الآيَةَ.
  فَأَمَّا الأَخْبَارُ الْمَرْوِيَّةُ فِي افْتِرَاقِ الْبَيِّعَيْنِ، فَالْمُرَادُ بِهَا فُرْقَةُ الأَبْدَانِ.
  وَفِي الْخَبَرِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ #، وَهْوَ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ فِيمَا تَبَايَعَا حَتَّى يَفْتَرِقَا عَنْ رِضا»، مَا يُفِيدُ ذَلِكَ.
  وَبِهَذَا يُعْرَفُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ البَيِّعَانِ مُجْتَمِعَيْنِ، سَوَاءٌ كَانَا فِي مَجْلِسٍ أَوْ عَلَى دَابَّتَيْنِ أَوْ سَفِينَتَيْنِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، مَهْمَا كَانَ يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا الاِجْتِمَاعُ.
  وَلَا يُشْتَرَطُ الْمَجْلِسُ بِخُصُوصِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِخِيَارِ الفُرْقَةِ.
  فَقَدْ أَثْبَتَهُ الشَّرْعُ لَهُمَا، كَخِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ وَالْعَيْبِ.
  فَالاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ}[النساء: ٢٩]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ}[المائدة: ١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ}[البقرة: ٢٨٢] لَا يُعَارِضُ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فِي الْخِيَارَاتِ الثَّابِتَةِ، فَمَا أَجَابُوا بِهِ فَهْوَ جَوَابُنَا.
  وَقَدْ رَوَى البَيْهَقِيُّ(١) بِسَنَدِهِ إِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ÷:
(١) (السنن الكبرى) للبيهقي (٥/ ٢٧٠)، ط: (دار الفكر).