فتاوى وبحوث فقهية
  وَلَمْ يُشْرَعْ رَفْعُ الصَّوْتِ إِلَّا فِي الأَذَانِ، وَالْخُطَبِ، وَإِمَامِ الصَّلَاةِ، وَالتَّلْبِيَةِ فِي الْحَجِّ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِم زِيَادَةَ الرَّفْعِ(١)، لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ الإِعْلَامَ، مَعَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ وَالْخَطِيبَ وَالإِمَامَ يَرْفَعُ وَحْدَهُ.
  فَأَمَّا الرَّفْعُ مِنَ الْجَمَاعَةِ عَلَى صِفَةِ التَّغْرِيدِ وَالإِنْشَادِ، فَلَمْ يُشْرَعْ قَطُّ.
  وَلَمْ يُؤْثَرْ عَنِ الرَّسُولِ ÷، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، لَا الإِمَامِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَلَا القَاسِمِ، وَلاَ الهَادِي إِلَى الْحَقِّ $، وَلَا غَيْرِهِم، مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ شُغْلَةِ الْمُصَلِّينَ فِي الْمَسَاجِدِ، وَقَطْعِ الأَذْكَارِ الوَارِدَةِ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّكْبِيرِ، وَتِلَاوَةِ سُورَةِ الإِخْلَاصِ، وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ(٢). وَلَوْ تَرَكُوا التَّغْرِيدَ لَأَمْكَنَهُمُ الْكُلّ.
  وَقَدْ يَتَوَهَّمُ بَعْضُ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ أَنَّ الْمُرَادَ تَرْكُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، كَيْفَ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ ﷻ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِالصَّلَاةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى نَبِيئِهِ ÷، وَأَوْجَبَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فِي الصَّلَاةِ، مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ÷ مَرَّةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا نُحِيطُ بِهِ كَثْرَةً(٣).
(١) روى البخاريُّ برقم (٢٩٩٢) وغيره، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ÷ فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ÷: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا؛ إِنَّهُ مَعَكُمْ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبَارَكَ اسْمُهُ، وَتَعَالَى جَدُّهُ».
(٢) روى الإمام أحمد بن عيسى في (الأمالي - مع رأب الصدع) (١/ ٥١٠)، والإمام أبو طالب $ في (الأمالي) (ص/٣١٣) بإسناد صحيح عن علي # قال: قال لي رسول الله ÷: «يَا عَلِيّ اقْرَأْ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ آيَةَ الكُرْسِيّ؛ فَإِنَّهُ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهَا إِلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيْدٌ». وروى الإمام المرشد بالله # في (الأمالي) (١/ ١١٦) بأسانيد صحيحة، عن علي #، قال: قال رسول الله ÷: «{قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١} تَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ».
(٣) روى الإمام الأعظم زيد بن علي @ في (المجموع) (ص/١٥٥)، عن آبائه، عن علي $، قال: قال رسول الله ÷: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ، وَأَثْبَتَ لَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ، وَاسْتَبَقَ مَلَكَاهُ الْمُوَكَّلاَنِ بِهِ أَيُّهُمَا يُبَلِّغُ رُوحِي مِنْهُ السَّلاَمَ». قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ÷: «أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلاَةِ عَلَيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فَإِنَّهُ يَوْمٌ تُضَاعَفُ فِيهِ الأَعْمَالُ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ تَعَالَى لِي الدَّرَجَةَ الْوَسِيلَةَ مِنَ الْجَنَّةِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا الدَّرَجَةُ الوَسِيلَةُ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ ÷: «هِيَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، لاَ يَنَالُهَا إِلَّا نَبِيٌّ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ».