مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 692 - الجزء 1

  مُعَارِضَ لَهُ وَلَا مُنَاقِضَ، فَالدَّلَالَاتُ الْعَقْلِيَّةُ وَالْآيَاتُ الرَّبَّانِيَّةُ عَلَى عُمُومَاتِهَا الْقَطْعِيَّةِ، وَخُصُوصَاتِهَا الْجَلِيَّةِ، {وَٱللَّهُ يَحۡكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكۡمِهِۦۚ}⁣[الرعد: ٤١].

  وَمَا وَرَدَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ الْغَرَّاءُ - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَى صَاحِبِهَا وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الْأَطْهَارِ، أَعْلَى اللهُ شَأْنَهَا، وَأَقَامَ بُرْهَانَهَا - مِنْ نَفْيِ الْعَدْوَى وَالطِّيَرَةِ هُوَ مُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكُم الدَّلِيل، وَانْهَجَتْ إِلَيْهِ تِلْكُم السَّبِيل، فَلَا مُخَصِّصَ لَهُ وَلَا رَادَّ.

  وَكَيْفَ وَفِي اعْتِقَادِ انْتِقَالِ الْأَمْرَاضِ وَتَأْثِيرِ الْأَعْرَاضِ - الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَسْمَعُ - الْخُرُوجُ - نَعُوذُ باللهِ تَعَالَى - عَنْ دَائِرَةِ التَّوْحِيدِ، وَالرَّدُّ لِمَا عُلِمَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، وَلِمُحْكَمِ الْكِتَابِ الْمَجِيدِ.

  وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِطْنَابِ بِبَسْطِ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ، فَهْيَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ.

  وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ لَا مُخْرِجَ لَهَا مِنْ عُمُومِهَا، وَلَا مُخَصِّصَ لِمَنْطُوقِهَا وَلَا لِمَفْهُومِهَا.

  وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنَ النَّهْيِ مِنَ السُّكُونِ فِي بِلَادِ الْأَسْدَامِ - عَلَى فَرْضِ صِحَّتِهِ -، وَالدُّخُولِ إِلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَالْفِرَارِ عَنِ الْمَجْذُومِ، - فَمَعَ صِحَّةِ ذَلِكَ - لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَضِ وُقُوعَ شَيءٍ مِنْهَا عَنْ غَيْرِ قَضَاءِ اللهِ تَعَالَى وَأَمْرِهِ، وَقَدْ حُمِلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ صِيَانَةِ الْعَقِيدَةِ.

  وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي الْحِكْمَةِ جَعْلُ السُّكُونِ وَالدُّخُولِ وَالْمُخَالَطَةِ مِنَ الْأَسْبَابِ، وَالْمُسَبَّبُ وَاقِعٌ بِفِعْلِ اللهِ تَعَالَى وَاخْتِيَارِهِ، وَاللَّهُ - عَزَّ سُلْطَانُهُ، وَجَلَّ عَنْ كُلِّ شَأْنٍ شَأنُهُ - مُسَبِّبُ الْأَسْبَابِ.

  وَقَدْ ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ، وَالْحُجَجِ الْمُنِيرَةِ الصَّرِيحَةِ كُونُ الْحِكْمَةِ اقْتَضَتْ تَرَتُّبَ بَعْضِ أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى الْأَسْبَابِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ وَآيَاتِ الْكِتَابِ. قَالَ تَبَارَكَ اسْمُهُ: {ٱللَّهُ ٱلَّذِي يُرۡسِلُ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ