[المقدمة]
  وَالَّذِي تَرَجَّحَ ونَدِينُ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ - بَعْدَ إِبْلَاغِ الوُسْعِ، وَاسْتِفْرَاغِ الطَّاقِةِ - مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ قُدَمَاءُ أَئِمَّتِنَا، وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ $ وَمَنْ وَافَقَهُمْ، وَهْوَ الأَوَّلُ، وَأَنَّ شَرْطَ قَبُولِ أَخْبَارِ الآحَادِ العَدَالَةُ تَصْرِيحًا، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الوُثُوقُ وَلَا الرُّكُونُ فِي الدِّينِ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الثِّقَةِ وَالضَّبْطِ مِنَ الْمُحِقِّين.
  وَالأَدِلَةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ شَهِيرَةٌ، سَاطِعَةٌ مُنِيرَةٌ، مِنْهَا قَوْلُهُ ø: {وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ}[هود ١١٣]، وَهْوَ عَامٌّ لِكُلِّ رُكُونٍ، وَأَيِّ ظُلْمٍ.
  وَقَوْلُهُ ø: {إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ}[الحجرات ٦]، وَلَمْ يَفْصِلْ.
  وَنَحْوُ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ - ~ وَآلَهُ - فِيمَا رَوَاهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا الإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ #(١): «العِلْمُ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ عَنْهُ».
  وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ، جَمٌّ غَفِيرٌ.
  وَأَشَفُّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ أَهْلُ القَوْلِ الآخِرِ: دَعْوَى الإِجْمَاعِ، وَكَوْنُ مَدَارِ القَبُولِ حُصُولَ الظَّنِّ.
  وَنَقُولُ: أَمَّا دَعْوَى الإِجْمَاعِ، فَمِنَ الْحِكَايَاتِ الفَارِغَةِ الَّتِي لَا يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا النَّاظِرُ النَّقَّادُ، وَلَا تَنْفقُ عِنْدَ أَرْبَابِ البَحْثِ وَالاِرْتِيَادِ، وَهْيَ مِنْ رِوَايَةِ الآحَادِ - وَإِنْ كَانَ قَدْ نَقَلَهَا بَعْضُ ذَوِي الإِصْدَارِ وَالإِيرَادِ -، وَالْمَسْأَلَةُ أُصُولِيَّةٌ، لَا يُعْتَمَدُ فِيهَا إِلَّا الدَّلَالَةُ القَطْعِيَّةُ.
  وَكَيْفَ يَخْفَى الإِجْمَاعُ عَلَى نُجُومِ الهِدَايَةِ، وَشُمُوسِ الدِّرَايَةِ، مِنْ أَقْطَابِ حَمَلَةِ الكِتَابِ.
  وَأَمَّا أَنَّ الْمَدَارَ: الظَّنُّ، فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ، بَلْ تُعُبِّدْنَا بِخَبَرِ العَدْلِ فِي ذَلِكَ كَمَا أَفَادَتْهُ الأَدِلَّةُ القُرْآنِيَةُ، وَالأَخْبَارُ النَّبَوِيَّةُ.
  مَعَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَدَارُ الظَّنَّ لَلَزِمَ قَبُولُ أَخْبَارِ كَافِرِ التَّصْرِيحِ وَفَاسِقِهِ،
(١) أمالي الإمام أبي طالب # (ص/٢٠٥)، رقم (١٤٣).