مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

إيضاح الدلالة في أحكام العدالة

صفحة 70 - الجزء 1

  الْمُتَحَرِّجَيْنِ عَنِ الكَذِبِ لِلأَنَفَةِ مِنْهُ وَالْمُرُوءَةِ؛ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْثِرُ بَذْلَ النَّفْسِ عَلَى الدُّخولِ فِي نَقِيصَةٍ أَوْ رَذِيلَةٍ، وَأَخْبَارُهُمَا مَرْدُودَةٌ بِالإِجْمَاعِ.

  وَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ الْمَدَارَ الظَّنُّ؟ واللهُ سُبْحَانَهُ قَدْ نَهَى عَنِ اتِّبَاعِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا بِالذَّمِّ: {إِنَّ ٱلظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ ٱلۡحَقِّ شَيۡـًٔاۚ}⁣[يونس ٣٦]، {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ}⁣[الأنعام ١١٦]، {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لَا تَعۡلَمُونَ ١٦٩}⁣[البقرة].

  وَلَا مُوجِبَ لِلتَّخْصِيصِ؛ فَإِنَّ الأَدِلَّةَ القَائِمَةَ عَلَى قَبُولِ الآحَادِيِّ فِي العَمَلِيَّاتِ مِنْ بَعْثِ الرَّسُولِ ÷ لِتَبْلِيغِ الشَّرْعِيَّاتِ لَمْ تَدُلَّ تَصْرِيحًا وَلَا تَلْوِيحًا عَلَى اعْتِمَادِ الظَّنِّ في وِرْدٍ وَلَا صَدَر؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ عِنْدَهَا⁣(⁣١) الظَّنُّ فِي الأَغْلَبِ فَلَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَاللَّازِمُ⁣(⁣٢) غَيْرُ الْمَلْزُومِ⁣(⁣٣)، كَمَا يَعْلَمُهُ أَرْبَابُ الذَّوقِ وَالنَّظَرِ.

  وَالشَّمْسُ إِنْ خَفِيَتْ عَلَى ذِي مُقْلَةٍ ... وَسْطَ النَّهَارِ فَذَاكَ مَحْصُولُ العَمَى

  بَلْ وَرَدَ التَّعَبُّدُ مِنْ غَيْرِ مُلَاحَظَةِ الظَّنِّ وَلَا عَدَمِه.

  وَإِنَّمَا يُخَصَّصُ بِهَذَا نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقۡفُ مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌۚ}⁣[الإسراء ٣٦] لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْتَبِرْ فِيهِ العِلْم، بَلْ طَرِيقٌ شَرْعِيَّةٌ، لَا عِلْمِيَّةٌ وَلَا ظَنِّيَّة، أَوْصَلَتْ إِلَيْهَا الأَدِلَّةُ القَطْعِيَّة.

  هَذَا، وَأَمَّا الدَّلَالَةُ العَقْلِيَّةُ عَلَى قَبُولِ الْمَظْنُونِ، فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الأَخْذِ بِهِ خَطَرٌ، نَحْو مَا مَثَّلُوا بِهِ مِنَ الإِخْبَارِ بِالطَّعَامِ الْمَسْمُومِ، مِمَّا يُرَجِّحُ العَقْلُ قَبُولَهُ - وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ صَبِيًّا أَوْ كَافِرًا صَرِيحًا -؛ لِعِظَمِ الإِقْدَامِ عَلَى تَجْوِيزِ كَوْنِهِ صَحِيحًا.

  فَأَمَّا مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ أَعْظَمُ مَوَاقِعِ الشَّرْعِ، فَقَدْ قَامَتِ الأَدِلَّةُ القَاطِعَةُ عَلَى الْمَنْعِ.

  وَقَدْ حَقَّقْتُ مَا عِنْدِي فِي هَذَا البَابِ فِي (فَصْلِ الخِطَابِ شَرْحِ خَبَرِ العَرْضِ عَلَى الكِتَابِ)، نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.


(١) أي بعث الآحاد.

(٢) أي الظن.

(٣) أي خبر العدل.