مسائل العلامة محمد بن منصور المؤيدي إلى الإمام المنصور محمد بن يحيى حميد الدين [رضوان الله عليهم]
  إِنَّ مَنْ رَامَ مَعْرِفَةَ حَقَائِقِ صِفَاتِ اللَّهِ تَوَرَّطَ فِي الإِشْرَاكِ، وَمَنْ عَجِزَ وَقَصُرَ أَقْدَامُ فَهْمِهِ فَالْعَجْزُ عَنْ دَرَكِ الإِدْرَاكِ إِدْرَاكٌ، كَمَا لَمْ نُكَلَّفْ بِمَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الذَّاتِ، لَمْ نُكَلَّفْ بِمَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ الصِّفَاتِ، وَإنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَعَرَّفْ إِلَيْنَا بِذَاتِهِ، بَلْ تَعَرَّفَ بِأَفْعَالِهِ، نَحْوُ: {إِنَّ فِي خَلۡقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ}[آل عمران: ١٩٠]، وَنَحْوُهَا مِمَّا لَا يُحْصَى.
  فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ وَصَفَ نَفْسَهُ بِعَلِيمٍ قَدِيرٍ سَمِيعٍ بَصِيرٍ مُرِيدٍ.
  قُلْنَا: عَبَّرَ عَنْ إِحَاطَةِ عِلْمِهِ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُدْرَكَاتِ بِمَا نَعْقِلُهُ فِي أَنْفُسِنَا، فَإِدْرَاكُ الْمَسْمُوعِ غَيْرُ إِدْرَاكِ الْمُبْصَرِ.
  فَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْمَعْلُومِ فِينَا مِنَ الأَعْرَاضِ شَبَّهْنَاهُ وَجَسَّمْنَاهُ.
  وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الإِحَاطَةِ بِأَنْوَاعِ الْمُدْرَكَاتِ مِنْ دُونِ تَحْقِيقِ كَيْفِيَّةِ الإِدْرَاكِ آمَنَّا بِهِ وَنَزَّهْنَاهُ.
= بَصِيْرٍ، وكذا سَامِعٍ ومُبْصِرٍ، بمَعْنَى عَالِم، كَما قَالَ في (الأَسَاسِ) وَشَرْحِهِ: واللهُ سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ، ولا خِلافَ في وَصْفِهِ تعالى بأنَّه سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ، وإنَّما وَقَعَ الخلافُ في مَعْنَى ذلِكَ.
فقالَ جُمْهُورُ أَئِمَّتِنا $، والبَغْدَادِيَّةُ من المعْتَزِلَةِ: هما أيْ سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ بمَعْنَى عَالِم، وكذَلِكَ سَامِعٌ مُبْصِرٌ ومُدْرِك، فإنَّها أَسْمَاءٌ مُتَرَادِفَةٌ بمَعْنَى عَالِم، عَبَّرَ اللهُ سبحانه عن عِلْمِهِ ø بالأَصْوَاتِ وما شَابَهَهَا مما يُدْرِكُهُ المخْلُوْقُ بحَاسَّةِ السَّمْعِ بكَلِمَةِ سَمِيْع، وعن عِلْمِهِ بالأشْخَاصِ والهيْئَاتِ وما شَاكَلَها مما يُدْرِكُهُ المخْلُوقُ بحَاسَّةِ البَصَرِ التي تَفَضَّلَ اللهُ بهَا عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ بَصِيْرٍ، لَمَّا كان المخْلُوْقُ لا يَعْقِلُ إدْرَاكَ الأصْوَاتِ ونحوها إلَّا بحّاسَّةِ السَّمْعِ، ولا يُدْرِكُ الأشْخَاصَ ونحوها إلَّا بحَاسَّةِ البَصَرِ، فأجْرَى سُبْحَانَهُ كَلِمَةَ سَمِيْعٍ بَصِيْرٍ على إدْرَاكِهِ الْمَسْمُوْعَ والْمُبْصَرَ، أي عِلْمه بهما على سبيلِ التَّوَسّعِ والمجَازِ، تحْقِيْقاً لِمَا يَعْقِلُهُ المخلوقُ.
قلت: والعَلَاقَة في هذا المجَازِ ونحوه السّبَبِيَّةُ؛ لأنَّ هذه الْمُدْرَكَاتُ سَبَبٌ في العِلْمِ في الشَّاهِدِ، فَعَبَّرَ عن العِلْم بالسَّمْعِ والبَصَرِ؛ لوُجُوْدِ العَلَاقَةِ في الشَّاهِدِ؛ لأنَّ العَلَاقَةَ يَكْفِيْ ثُبُوْتُها في الجمْلَةِ، كما حَقَّقَه الشَّريفُ وغَيرُهُ من المحَقِّقِيْنَ، فهو من المجَازِ الْمُرْسَلِ.
وأمَّا مَا أشَارَ إليه الإمامُ من الخِلافِ فهو كَلَامُ الإمَامِ المهديّ وبَعْضُ مُتأخِّرِي شِيْعَتِهِم والبَصْرِيَّةُ من المعْتَزِلَةِ، حيْثُ قالُوا: إنَّ مَعْنى سَمِيْع بَصِيْر حَيٌ لا آفَةَ به، ومَعْنَى سَامِع مُبْصِر كونه مُدْرِكًا للمُدْرَكَاتِ، فلِهَذا لا يُوْصَفُ عِنْدَهُم بسَامِعٍ مُبْصِرٍ إلَّا عِنْدَ وُجُوْدِ الْمُدْرَكِ. هذا ما يَقْتَضِيْهِ الحَالُ، والمسْأَلَةُ محقَّقَةٌ في الأُصُوْلِ. انتهى من إملاء والدنا الإمام الحجة مَجْدالدِّيْن بن محمد المؤيدي #.