مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

فتاوى وبحوث فقهية

صفحة 701 - الجزء 1

  وَلِذَلِكَ قَالَ الوَصِيُّ، إِمَامُ الْمُوَحِّدِينَ، وَمُعْجِزَةُ الرَّسُولِ الأَمِين: (أَوَّلُ الدِّينِ مَعْرِفَتُهُ، وَكَمَالُ مَعْرِفَتِهِ التَّصْدِيقُ بِهِ، وَكَمَالُ التَّصْدِيقِ بِهِ تَوْحِيدُهُ، وَكَمَالُ تَوْحِيدِهِ الإِخْلَاصُ لَهُ، وَكَمَالُ الإِخْلَاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ⁣(⁣١)؛ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَةٍ أَنَّهَا غَيْرُ الْمَوْصُوفِ، وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوفٍ أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ، فَمَنْ وَصَفَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ، وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَدْ جَزَّأَهُ)، إِلَى قَوْلِهِ: (أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً، وَابْتَدَأَهُ ابْتِدَاءً، بِلَا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، وَلَا رَوِيَّةٍ اسْتَفَادَهَا⁣(⁣٢)، وَلَا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا، وَلَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا).

  وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (كُلُّ مَعْرُوفٍ بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ⁣(⁣٣)، وَكُلُّ قَائِمٍ فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ⁣(⁣٤)، فَاعِلٌ لا بِاضْطِرَابِ آلَةٍ⁣(⁣٥)، مُقَدِّرٌ لَا بِجَوَلَانِ فِكْرَةٍ⁣(⁣٦))، إِلَى


(١) قول أمير المؤمنين #: (وَكَمَالُ الإِخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ)، إلخ.

أرَادَ # بالصِّفَاتِ الْمَنْفِيَّةِ هنا صِفَات الْمَخْلُوْقِينَ التي هي المعَانِي التي أَثْبَتَتْها الأشْعَرِيَّةُ وغيرُهُمْ، ويَدُلُّ على ذَلِكَ قَوْلُهُ #: (فَمَنْ وَصَفَ اللهَ فَقَدْ قَرَنَهُ، ومَنْ قَرَنَهُ فقَدْ ثَنَّاهُ) إلخ، ولم يُرِدْ نَفْيَ الصِّفَاتِ الثَّابِتَةِ لله سبحانه وتعالى كالعَالِم والقَادِرِ والسَّمِيْعِ والبَصِيْرِ بدَلِيْلِ قولِهِ # في خُطْبَةٍ له أخْرَى: (ومَنْ لم يَصِفْهُ فقَدْ نَفَاهُ، وَصِفَتُهُ أنَّه سَمِيْعٌ ولا صِفَةَ لِسَمْعِهِ) ... إلخ كلامه #.انتهى من إملاء والدنا الإمام الحجة مَجْدالدِّيْن بن محمد المؤيدي #.

(٢) في (النهج): (وَلا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا). تمت من المؤلِّف #، أي أنَّ نصَّ كلام أمير المؤمنين # هكذا: (بِلا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا، وَلا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا).

(٣) قال الإمام يحيى بن حمزة @ في (الديباج الوضي شرح كلام الوصي): «أراد في هذا أَنَّ كلَّ ما كان طريق معرفة ذاته من جهة نفسه فهو مصنوعٌ كالإنسان مَثَلًا، فإنَّ طريق معرفته إنما هو من جهة الحدِّ والحقيقة، وهو كونه حيوانًا ناطقًا، فقد حصل معرفة حاله من جهة ذاته؛ إذ ليس للإنسان حقيقة سوى ما ذكرناه، فلهذا كان معروفًا من جهة ذاته ونفسه، فأَمَّا الله تعالى فذاته تعالى ليس طريق معرفتها الحد والحقيقة، وإنما طريق معرفتها هو البراهين والأدلة، فلهذا لم يكن معروفاً بنفسه كسائر المخلوقات، ...».

(٤) «يريد أن كل ما كان محتاجًا في وجوده إلى محل أو مكان أو جهة فإنه معلول، يفتقر إلى غيره كافتقار المعلول إلى علته، وهذا إنما يكون في الأجسام والأعراض لافتقارها إلى المحل والجهة والمكان، فلهذا كانت معلولة». انتهى من (الديباج الوضي).

(٥) «موجد للأشياء كلها ومخترع للمكونات من غير أن يكون مضطربًا في فعله لها إلى آلة يفعلها بها ويزاولها لمكانه». انتهى من (الديباج).

(٦) «محكم لأفعاله كلِّها من غير أَنْ يكونَ مُحْتَاجًا في إِحكامها إلى جَوَلانِ الفِكْرَةِ، وجريها ساعة بعد ساعة». من (الديباج).