مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[ادعاء ابن الأمير أن قوله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ ...}، لا يدل على دخول الأعمال في الإيمان، والجواب عليه]

صفحة 80 - الجزء 1

  الجواب: يُقَالُ: فَمَا تَصْنَعُ بقولِهِ ø: {لِّيَغۡفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنۢبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}⁣[الفتح ٢]، {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمۡنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمۡ تَغۡفِرۡ لَنَا وَتَرۡحَمۡنَا}⁣[الأعراف ٢٣](⁣١).

[ادِّعاء ابن الأمير أَنَّ قوله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ ...}، لا يدل عَلَى دخول الأعمال في الإيمان، والجواب عليه]

  قوله⁣(⁣٢): «ولك أَنْ تقولَ: الآيةُ⁣(⁣٣) لا تَدُلُّ عَلَى دخولِ الأَعمالِ في الإيمان ...» إلخ ما في (ج ١/صفح ٢٤٩).

  الجواب: أنَّى لكَ ذلك؟ إنما هذا الشرطُ ثابتٌ عند تلاوةِ الآيات، ومعلومٌ أنَّه عند سماعِهَا يزدادُ بها وضوحُ اليقين، ورسوخُ الثبات، وهذه العَلاوةُ تدلُّ عَلَى زيادةِ التعامي، وفَرْطِ الغباوة، فحصولُ إيمانٍ غير حَقٍّ محال، {فَمَاذَا بَعۡدَ ٱلۡحَقِّ إِلَّا ٱلضَّلَٰلُۖ}⁣[يونس: ٣٢].

  وبما ذَكَرْنَا من معنى الوَجَلِ يتبينُ تلاشي كلامِهِ كُلِّه، ونَقْضُ مَرَامِهِ وحلِّه،


(١) وكذا نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام عندما قال: {رَّبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِوَٰلِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيۡتِيَ مُؤۡمِنٗا وَلِلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارَۢا ٢٨}⁣[نوح].

وموسى كليم الله عليه الصلاة والسلام {قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَلِأَخِي وَأَدۡخِلۡنَا فِي رَحۡمَتِكَۖ وَأَنتَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ ١٥١}⁣[الأعراف]. وقال موسى أيضًا: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمۡتُ نَفۡسِي فَٱغۡفِرۡ لِي فَغَفَرَ لَهُۥٓۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ١٦}⁣[القصص]. وكذا نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام {قَالَ رَبِّ ٱغۡفِرۡ لِي وَهَبۡ لِي مُلۡكٗا لَّا يَنۢبَغِي لِأَحَدٖ مِّنۢ بَعۡدِيٓۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ ٣٥}⁣[ص]، وغير ذلك كثير.

(٢) أي ابن الأمير محمد بن إسماعيل.

(٣) أي قوله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ}، إلى آخر الآيات الكريمة.

وهذا نصُّ كلام ابن الأمير: «ولك أَنْ تقولَ: الآيةُ لا تَدُلُّ عَلَى دخولِ الأَعمالِ في الإيمان، قال: {زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا}، فدلَّ علَى أَنَّ أصل الإيمان ثابتٌ لهم قبل هذه الأوصاف، ودلت على أَنَّ هذه الصفاتِ صفاتُ المؤمنين حقًّا، وأَنَّ الإيمان ثابت بغير مَنْ وُصِفَ فيها بما وُصِفَ». إلى قوله: «دلت على من شرط المتصف به أنْ يجلَّ قلبُهُ عند ذكر الله وهو المراد كلما ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَ قلبُهُ، ويجري مثلُهُ في قوله تعالى: {وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٢} وغيره، والمعلوم يقينًا أنَّ هذا لا يجده كلُّ مؤمنٍ عن نفسه كلما ذُكِر اللهُ.

وإن أُريد أَنَّه قد يجلُّ قلبُهُ ولو مرَّةً في عمره، فكذلك قوله: يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، ويؤتون الزكاة [كذا، ولعله يقصد: {يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣}] يكفي في صدق اتِّصافه بها الاتيان بها ولو مَرَّةً، وإلَّا كان تحكمًا وتفريقًا بين قرائن الآية بلا دليل فيها».