[اضطراب أقوال المرجئة والحشوية]
  وقوله: «يقال عليه الحصر هنا(١) قد عارض حصرَ أول آية(٢) استدل بها للمُدَّعَى؛ فإنه حُصِر المؤمنون هناك عَلَى ما عرفتَه من المعاني، وهنا على غيرها ...» إلخ (ج ١/ صفح ٢٥٠).
  الجواب: لا يتوجَّهُ كلامُهُ هنا أصلًا؛ لأنَّه في الآيات من قَصْرِ الصِّفَةِ عَلَى الموصوف، لا من قَصْرِ الموصوفِ عَلَى الصِّفَة، كما يَعرف ذلك أهلُ المعرفة، فإذا قصرتَ الصِّفَةَ عَلَى موصوفِهَا فلا يقتضي أن لا يكونَ موصوفًا بغيرها، وهذا بَيِّن(٣).
  وقوله(٤): «فلم تتم دَلالة تلك الآية على المدعى ...» إلخ.
  الجواب: قد بَيَّنا وجهَ دَلالتها آنفًا على تَرك الْمُقَبَّحَات، ويأتي هنا مثلُهُ، وهو أنَّهَا من حيثُ كونها دالةً عَلَى بعضِ الأَركان(٥) تكونُ دالةً عَلَى البعض الآخر؛ إذ لَا فَصْلَ بينها.
  ثم إنَّه لا يلزمُ من كونِهَا غيرَ دالةٍ عَلَى الكلِّ بطلانُ دَلالتِهَا مع غيرها عليه(٦).
  وإنما كلامُهُ هذا - لو صَحَّ - يتوجَّهُ عَلَى نفسِ العبارةِ لا غير، فليس له طريقٌ إلى ما يروم، ولا مستروحٌ حولَ ما يحوم، فكتابُ اللَّهِ تعالى وسنَّةُ رسولِهِ ÷ شاهدان ناطقان بأنَّ الإيمان: التصديقُ بالجَنَان، والقولُ باللسان، والعَمَلُ بالأركان، قال ø: {قَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ١ ٱلَّذِينَ هُمۡ فِي صَلَاتِهِمۡ خَٰشِعُونَ ٢ وَٱلَّذِينَ هُمۡ عَنِ ٱللَّغۡوِ مُعۡرِضُونَ ٣} إلى قوله: {أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ
(١) إشارة إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ}[النور ٦٢] الآية.
(٢) وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ} الآيات.
(٣) كما إذا قلت: إنَّما العالم زيدٌ، فإنَّه لا يَقتضي أن لا يكون موصوفًا بالأدب والكتابة والشِّعْر مثلًا.
(٤) كلام ابن الأمير كاملًا: «فإن أجيب: بأنَّ المراد هنا بـ (المؤمنون) القائمون بِمَا ذكر في الأولى، ويُزادُ عليه هنا: كونهم إذا كانوا مع الرسول في أَمْرِ جامعٍ لم يذهبوا إلَّا عن إذنه. فيقال: فلم تتم دلالة تلك الآية عَلَى المدَّعَى» إلخ.
(٥) أي: أركان الإيمان.
(٦) أي: على الكل.