[140] القاضي أبو علي المحسن بن أبي القاسم علي
  هات الحديث عن الزوراء أو هيتا ... وموقد النار لا تكري بتكريتا
  ليست كنار عديّ نار غانية ... باتت تشبّ على أيدي مصاليتا
  أذكت سرنديب أولاها وآخرها ... وعوّذتها بنات القين تشميتا
  حتى أتت وكأنّ اللّه قال لها ... حوطي الممالك تمكينا وتثبيتا
  من كل أبيض مهتز ذوائبه ... يمسي ويصبح فيه الموت مسؤتا
  ترى وجوه المنايا في جوانبه ... مجللا وجه جنّان عفاريتا
  بر وبحر مبيد لا تحسّ به ... ضبّ العرار ولا ظبيا ولا حوتا
  هل كان أهل قرى نمل علون قرا ... رمل فغادرن آثارا مخافيتا
  وأهل بيت من الأعراب ضفتهم ... لا يملكون سوى أسيافهم بيتا
  عنها الحديث إذا هم حاولوا سمرا ... والرزق منها إذا حلّوا أماريتا
  حتى إذا الليل ألقى ستره برزوا ... وخفّضوا الصوت كيما يرفعوا الصيتا
  وفيهم البيض أدمتها أساورها ... من الأساور أجلاحا ومنعوتا
  ليست كزعم جرير بل لها مسك ... يرفضّ عنها ذكي المسك مفتوتا
  ألقت حراد نضار في ذوائبها ... لم ترع إلّا نظير الحسن تنبيتا
  يا درّة الخدر في لجّ الشراب أرى ... مقلدا بعقيق الدمع منكوتا
  نكّست قرطيك تعذيبا وما سحرا ... أخلت قرطيك هاروتا وماروتا
  قد قلت ما قاله فرعون مفتريا ... لخفت أن تنصبي في الأرض طاغوتا
  فلست أوّل إنسان أضلّ به ... إبليس من تخذ الإنسان لاهوتا
  أرى النياق كأروى النيق يعصمها ... ضرب يضلّ به الإنسان مبهوتا
  وعمرو هند كأن اللّه صوّره ... عمرو بن هند يسوم الناس تعنيتا
  يا عارضا راح تحدوه بوارقه ... للكرخ سلّمت من غيث وحييتا
  لنا ببغداد من تهوى تحيته ... فإن تحمّلتها عنّا فحييتا
  أجمع غرائب أزهار تمرّ بها ... من مشئم وعراقيّ إذا جئتا
  يا ابن المحسن ما أنسيت مكرمة ... فاذكر مودّتنا إن كنت أنسيا
  ذم الوليد ولم أذم زيارتكم ... فقال ما أنصفت بغداد حوشيتا(١)
(١) ديوان المعري