[157] الشيخ الحكيم محمد صالح الجيلاني الفارسي
  لو رآه الحكيم ابن متّى لدخل بطن الحوت مغاضبا، ولو رآه الفارابي ما اختار على حبّه العزلة إلّاه صاحبا، وأخذ الطبّ والحكمة بأصفهان عن أربابه وأخذ بغير أصفهان.
  وحكي عنه: أنّه أقام دهرا في خدمة بعض الحكماء ببيمارستان في مدينة أصفهان، وحكى لي بعض الأصحاب من أهل صنعاء أن بعض الأكابر سأله أن يوقفه على أسرار الصنعة كما أخذها عن أستاذه ومعلّمه، فقال له: إن عملت لي ما عملته لأستاذي أوقفتك، قال: وما كنت تعمل؟ قال: كنت أسقي بغلته وحماره، وأشتري له اللحم من السوق ونحو ذلك.
  وأخبرني السيد العارف محمد بن الحسين بن الحسن الماضي ذكره(١): ان الحكيم محمد صالح كان يحدّث أنه حضر درس الشيخ بهاء الدين العاملي السابق الذكر(٢) وكان يصفه بالفضل المشهور عنه والسكينة والوقار، قال: وكأني أنظر إليه الساعة وهو شيخ أبيض اللحية والوجه، كأن وجهه القمر.
  وكان الحكيم فاضلا في عدّة علوم كالمنطق والرياضيات ويعرف التصريف والنحو والأدب، ويكتب الخط الحسن، وأما الطبّ فإنه الإمام المطلق فيه، وهو ممن رزق السعادة فيه، فإن أهل صنعاء خاصة لا يكادون يسلمون لغيره، وصار طبّه مثلا من الأمثال وهو حقيق بذلك لما هو عليه من الفضل والإصابة.
  وكان يحكي: أن والده وجدّه بلغ كل منهما العمر الطبيعي، وارتحل من بلاد العجم إلى بلاد الهند فأقام بها أربعين سنة في أيام أبي الحسن قطب شاه صاحب مملكة الدّكن، وحظى بالهند وأثرى وشاع صيته، واقتنى نفائس الكتب، ثم توجّه للحج فركب البحر ومعه ذخائره وكتبه، فرقص البحر طربا لمّا علاه ذلك الغمام فأقراه الحكيم ذلك الوفر وتلك الكتب لما تطلع لها ولم ينج إلّا بحوباه، وأقام بمكة أيضا زمانا، وله بها أخبار ظريفة.
  ثم ركب البحر أيضا يريد بلاد الهند فاجتاز باليمن والخليفة بها المتوكل على اللّه إسماعيل بن المنصور باللّه، فلمّا تحقق فضله في الطبّ استدعاه إلى
(١) ترجمه المؤلف برقم ١٥٣.
(٢) ترجمه المؤلف برقم ١٤٥.