[164] أبو الفضل محمد بن أبي عبد الله الحسين
  بمنكبك أعظمهم شأنا، وأنورهم شعاعا، وأشرفهم يفاعا.
  فحار ابن العميد ولم يدر ما يقول، وأطرق ساعة ثم رفع رأسه وقال: هذا وقت يضيق عن الإطالة منك في الاستزادة، وعن الإطالة منّي في المعذرة، وإذا تواهبنا ما دفعنا إليه استأنفنا ما نتحامد عليه.
  فقال ابن نباتة: أيّها الوزير، هذه نفثة صدر قد دوي بعد زمان، وفضلة لسان قد خرس منذ دهر، والغني إذا مطل لئيم.
  فغضب الرئيس، وقال: واللّه ما استوجبت هذا العتب من أحد من خلق اللّه، ولقد نافرت العميد من دون ذا، ولست وليّ نعمتي، فأحتملك، ولا موضع صنيعتي فأغضي عليك، وأن بعض ما أقررته في مسامعي ينقض مرّة الحلم، ويبدّد شمل الصبر، هذا وما استقدمتك بكتاب، ولا استدعيتك برسول، ولا سألتك مدحي، ولا كلفتك تقريضي.
  قال: صدقت أيها الرئيس ولكنك جلست في صدر إيوانك بأبهتك. وقلت:
  لا يخاطبني أحد إلّا بالرياسة، ولا ينازعني أحد في أحكام السياسة، فإني كاتب ركن الدولة وزعيم الأولياء والحضرة، والمقيم بمصالح المملكة، فكأنّك دعوتني بلسان الحال، وإن لم تدعني بلسان المقال.
  فثار ابن العميد مغضبا وأسرع في صحن داره حتى دخل حجرته، وانفض المجلس.
  فقال ابن نباتة في صحن الدار: واللّه إن سفّ التراب والمشي على الجمر، أهون من هذا، فلعن اللّه الأدب إذا كان بائعه مهينا له، ومشتريه مماكسا فيه.
  فلمّا سكن غيظ ابن العميد وثاب حلمه إلتمسه من الغد ليعتذر إليه ويزيل آثار ما كان منه، فكأنّما غاص في سمع الأرض وبصرها، فكانت في قلبه حسرة إلى أن مات(١).
  وذكر أبو حيّان التوحيدي في كتاب «مثالب الوزيرين» يعني الصّاحب بن عباد، وابن العميد المذكور: أن هذه القصيدة الرائية لعبد الرزاق بن الحسين بن
(١) وفيات الأعيان ٥/ ١٠٦ - ١٠٧، مثالب الوزيرين ٢٢١ - ٢٢٥ مع اختلاف بالنص.