[166] الشيخ محي الدين، محمد بن أبي الحسن علي
  وكل خبره في الجود عجيب، ومن أعجبه: ما حدّثت به زوجته ماويه، قالت:
  أصابتنا سنة أذهبت الخفّ والحافر وقحط الحيّ قحطا شديدا حتى لم يبق لحاتم إلّا فرسه، فكنت ليلة معه في الخباء، ومعنا عدي وسفّانة، ولده وبنيه يتصاغون من الجوع فأخذ هو عديا وأخذت أنا سفّانة، فجعلنا نعلّلهما حتى ناما، ثمّ أنه ناداني ليعلم أنمت أم لا وقد علمت ما به من الجوع فلم أجبه ليظن أني نمت، فسكن فلما انتصف الليل سمعنا حشا، فقال حاتم: من هذا؟ فإذا امرأة في جانب الخباء كالجنية جهدا، فقالت: يا أبا سفّانة جئتك من عند صبيّة يتصاغون من الجهد، فأطرق ساعة ثم قال لها: إذهبي فائتني بهم فو اللّه لأشبعنك وأيّاهم، قالت ماوية، فقلت: وبماذا؟ فو اللّه ما نام صبيانك من شدة الجوع إلّا بالتعليل، فقال: إسكني فو اللّه لأشبعنّ صبيانك مع صبيانها، ثم قام إلى شفرة فأخذها، ولا واللّه أعلم في بيته ما يأكله ذو كبد إلّا فرس بقيت له، فقام إليها فنحرها ثم أشعل نارا، فجاءت المرأة فجعلت تشوي منها وتأكل وتطعم الصبية، وقمت أنا ففعلت مثلها وجعل يشوي ويكبب ويطعم المرأة وأولادها ثم قال: واللّه أن هذا لهو اللّؤم، يأكل هؤلاء وأهل الصرم حالهم مثلهم، ثم جعل يدور في الصرم بيتا بيتا فيقول عليكم النار فأقبل أهل الصرم، وقعد ناحية متقنعا بكسائه وهو ينظر إليهم، ولا واللّه ما ذاق منها شيئا وأنّه لأشدّهم جوعا، ولم يصبح من الفرس إلّا عظم أو حافر. ومن شعره:
  أيا ابنة عبد اللّه وابنة مالك ... ويا ابنة ذي الجدين والفرس الوردي
  إذا ما عجنت الزاد فالتمسي له ... أكيلا فإني لست آكله وحدي
  ومناقبة لا تحصى، وسبيت ابنته سفّانة فمنّ عليها رسول اللّه ÷ بعد أن همّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # أن يستوهبها منه لمّا أعجبته، قال علي #: فلمّا تكلمت نسيت جمالها لفصاحتها، فقالت: يا رسول اللّه هلك الوالد وغاب الوافد فامنن عليّ منّ اللّه عليك فإني ابنة حاتم طي، وإن أبي كان يكسو العاري، ويفك العاني، ويعين على نوائب الحق، فقال النبيّ ÷: هذه مكارم الأخلاق، لو كان أبوك مسلما ترحّمنا عليه، فمن وافدك؟ قالت عدي بن حاتم، فلما علم النبي ÷ أنّها ابنة حاتم منّ عليها وكساها، وسألته أينفع حاتم كرمه؟
  قال: نعم، وقال لها: ما فعل عدي الفارّ من اللّه ورسوله وكان هرب إلى الشام نصرانيا فلما بلغه ما حصل لأخته من الإكرام عاد فأسلم وكان شريفا، ومن