[167] الخليفة المنتصر بالله، أبو القاسم، محمد
  ثمّ إن الأتراك عصروا خصيتي المهتدي حتى مات فكان ذلك تصديقا لقول الصّادق.
  فإنّ أبا الفرج الأصبهاني قال: إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا أيام بني أميّة بالمدينة، فقالوا: قد صحّ أن المهدي المبشّر به محمد بن عبد اللّه بن الحسن فهلمّوا فلنبايعه ثم قالوا: لو أرسلنا إلى جعفر بن محمد فأتانا فساعدنا على بيعة المهدي، فجاء جعفر الصادق وفيهم داود بن علي بن عبد اللّه بن العباس، وأبو جعفر المنصور فخطب عبد اللّه بن الحسن بن الحسن، وقال: إنه قد صحّ أن ولدي محمد هو المهدي الموعود به الذي يزيل سلطان بني أميّة وقد دعوناك يا أبا عبد اللّه لتدخل معنا في بيعته، فقال أبو عبد اللّه: أن صاحبكم ليس هو المهدي وما هذا أوان ظهوره، فقال عبد اللّه بن الحسن: إنّما حملك الحسد لأبني، فغضب جعفر الصّادق وقال: مثلي يحسد؟ واللّه أن الأمر الذي ترومونه ليس لكم وأنه صاير إلى هذا وأخيه، وضرب بيده إلى منكب أبي جعفر المنصور، وليتلعّبن به صبيانهم حتى يملكهم عبيدهم العراض الوجوه الصغار الأعين وهذه صفة الأتراك.
  ومن غريب مقدّمات قتل المتوكل ما حكاه الثعالبي، قال: كان بكورة من كور بست سروة لا نظير لها في بلاد العجم طولا واستواء قامة، وكانت تظلّ ألف فارس، وكانت من عصر الأكاسرة، فبلغ خبرها إلى المتوكّل فاشتاق أن يراها، فكتب إلى نائبه على خراسان محمد بن عبد اللّه بن طاهر وأمره أن يأمر النجارين بقطعها وأن يحملها في اللبود على الجمال حتى ينصبها النجارون بين يديه في بستانه ولا يفقد منها إلّا أوراقها، فركب محمد ومعه النجارون لقطعها فاجتمع أهل الكورة وسألوه أن يعفيهم من قطعها وقالوا: هي جمال كورتنا وقد وصفت لكسرى ورآها وأوصى بها خيرا، فقال: لا يمكن مخالفة أمير المؤمنين، فقالوا: أنظر ما أردت من المال ونحن نعطيك، تحمله إلى أمير المؤمنين وتبقى هذه الشجرة، فأبى عليهم وقطعها، واجتمع أهل الكورة ينوحون عليها ثمّ جعلها في اللّبود وحملها على ثلاثمائة جمل، فلما وصلت إلى سرّ من رأى أمر المتوكّل النجارين فنصبوها في بستانه بالمسامير، فقتل في تلك الليلة.
  * * *