[171] أبو سلمى، مطيع بن إياس الكناني الكوفي
  شئت مدحناك كما مدحتنا، وإن شئت أثبناك، فاستحيى مطيع من اختيار الثواب على المدح وهو محتاج، فقال له [من الوافر]:
  ثناء من أمير خير كسب ... لصاحب مغنم وأخي ثراء
  ولكنّ الزّمان برى عظامي ... وما مثل الدراهم من دواء
  فتبسّم معن، وقال: لقد ألطفت وصدقت لعمري، ما مثل الدراهم من دواء: وأمر له بثلاثين ألف درهم وخلع عليه وحمله(١).
  وكتب المهدي إلى جعفر بن يحيى يسأله أن يوجّه إليه ابنه موسى فلمّا قدم عليه قامت الخطباء والشعراء يهنونه حتى ضجر، فقال مطيع [من مجزوء الرمل]:
  أحمد اللّه اله الحمد ... ربّ العالمينا
  الذي جاء بموسى ... سالما في سالمينا
  بالأمير بن الأمير ... بن أمير المؤمنينا
  فقال المهدي: لا حاجة بنا إلى قول بعد هذا وأمر له بصلة(٢).
  قال: وكان بالكوفة رجل اسمه أبو الأصبع وله قيان، وولد وضي الصورة اسمه الأصبع(٣)، وكان مطيع ويحيى بن زياد وضرباؤهم يألفونه، فكلّهم يعشق ابنه، فلمّا كان يوم نيروز عزم أبو الأصبع أن يصطبح مع يحيى بن زياد فوجه إليه ابنه، فلما دخل بالرسالة قال: نعم وكرامة ثم راوده فامتنع فشاوره وقطع تكّته ونال منه، فلما فرغ أخرج من تحت مصلّاه أربعين دينارا ودفعها إليه وقال:
  انصرف إني على الأثر، وجاء مطيع فرآه يتبخّر ويتطيّب ويتزيّن، فقال له: كيف أنت؟ فلم يكلّمه وشمخ بأنفه، فقال مطيع: مالك أنزل عليك وحي؟ أم كلمتك الملائكة؟ أم بويع لك بالخلافة؟ وهو يومي برأسه: لا، فقال له: كأنك نكت الأصبع؟ فقال: إي واللّه نكته السّاعة، وأنا اليوم في دعوة أبيه، ومضى فاتّبعه مطيع ودقّ الباب واستأذن، فقيل له: يقول لك: هو اليوم في شغل لا يتفرّغ لك، فاعذر فطلب رقعة وكتب [من الرمل]:
(١) الأغاني ١٣/ ٣٥٠.
(٢) الأغاني ١٣/ ٣٥١.
(٣) في الأغاني: «أبو الأصبغ».