[172] الخليفة المعز لدين الله أبو تميم، معد
  النامية، والمآثر الظاهرة التي خشعت لها الدنيا وهي القاهرة، ناهيك من ملك خدمته السعادة، وأيقظت همّته عيون نيام الملوك من رقاد، وكاتبته مصر بلسان الاشتياق، ليشتريها بجوهره وما سمح من الجياد العتاق، فملكها بهذه المكاتبة، وأقرّ عين نيلها إذ أرسل حاجبه:
  ولا كتب إلّا المشرفيّة عنده ... ولا رسل إلّا الخميس العرمرم
  فغدت بجوهر في سلكه منتظمه، وقال الأخشيدية لسيف دولته: وآحرّ قلباه من مملكة زفّت لكم شبمه، مع عطاء عم القاضي وأفحم وصفه الداني، فلا تحسبه مقصورا على شاعره المجيد محمد بن هاني(١)، وحلم يكسر رجل الضحاك الحليم، ويعجّل لذي الحلم القرع بالعصا حتى يهوي إلى الجحيم، ونظم كأنّه غرر جياده، أو ذكره بالمحاسن بين قصّاده.
  فمن محاسن ما نظم وبه الأدب ابتسم، قوله:
  للّه ما صنعت بنا ... تلك المحاجر في المعاجر
  أمضى وأقضى في النفوس ... من الخناجر في الحناجر
  ولقد تعبت لبينكم ... تعب المهاجر في الهواجر(٢)
  وفي الأول الجناس المحرّف، وفي أوّل الثاني كذلك وفي آخره الخطيّ، وفي الثالث المشوّش.
  وأمّا الرقة والتمّكن فتحجر الحاجري، وتقول لمحسنها الصوري أنا عبد المحسن، وما وردت إلّا عن أدب، وقريحة روضية حمّالة الزهر لا حمّالة الحطب.
  وممّا التقط من لآليه، وأقسم الأدب إن خلقا فيه لا يدانيه، قوله:
  أطلع الحسن من جبينك شمسا ... فوق ورد من وجنتيك أطلّا
  وكأن الجمال خاف على الورد ... ذيولا فمدّ بالشعر ظلّا(٣)
(١) ترجمه المؤلف برقم ١٤٢.
(٢) وفيات الأعيان ٥/ ٢٨٨.
(٣) وفيات الأعيان ٥/ ٢٢٨.