[172] الخليفة المعز لدين الله أبو تميم، معد
  والحرمين، وبعده للحسن بن عبد اللّه بن طغج، ثم أن الجند اضطربوا لقلّة المال فكتب جماعة من وجوههم إلى المعزّ بأفريقية يطلبون منه إنقاذ العساكر، ليسلّموا له مصر، فأمر القائد بالتجهيز واتفق أنّ القائد جوهر مرض مرضا شديدا أيس منه أطبّاؤه، وعاده مولاه المعز وقال: هذا لا يموت وستفتح مصر على يده، واتفق إبلال جوهر من المرض، وقد جهّز له كلما يحتاج إليه من المال والرجال والسلاح، فبرز بالعساكر في موضع يقال له رقادة ومعه أكثر من مائة ألف فارس، وأكثر من ألف وماءتي صندوق من المال، وكان المعزّ يخرج إليه كلّ يوم ويوصيه، ثمّ أمره بالمسير وخرج لوداعه، فوقف جوهر بين يديه والمعزّ متكئ على فرسه يحدّثه سرّا زمانا، ثمّ قال لأولاده: إنزلوا لوداعه، فنزلوا عن خيولهم، ونزل أهل الدولة لنزولهم، ثم قبّل جوهر يد المعزّ وحافر فرسه، فقال له: إركب فركب بالعساكر.
  ولمّا رجع المعزّ إلى قصره أنفذ لجوهر ملبوسه وكلّما كان عليه وفرسه سوى خاتمه وسراويله.
  وكتب المعزّ إلى عبده أفلح صاحب برقة أن يترجّل للقائد جوهر ويقبّل يده عند لقائه، فبذل أفلح مائة ألف دينار على أن يعفى، فلم يعف وقبّل يده عند لقائه.
  ووصل الخبر إلى مصر بوصولهم، فاضطرب أهلها، واتفقوا مع الوزير ابن الفرات على المراسلة وطلب الأمان وتقرير أملاكهم، وسألوا الشريف أبا جعفر مسلم بن عبد اللّه الحسيني أن يكون سفيرهم فأجاب وشرط أن يكون معه جماعة من أهل البلد، وكتب الوزير معهم بما يريد وتوجّهوا نحو القائد جوهر يوم الاثنين [لاثنتي عشرة] ليلة بقيت من رجب سنة [ثمان وخمسين وثلاثمائة]، وكان القائد قد نزل في تروجة قريب الاسكندريّة، فوصل إليه الشريف بمن معه وأدّى إليه الرسالة، فأجابه بما أحبّه، وكتب له عهدا بما طلبوه، واضطرب البلد اضطرابا شديدا، وأخذت الأخشيدية والكافورية وجماعة العسكر لأهبة القتال، وستروا ما في دورهم وأخرجوا مضاربهم ورجعوا عن الصلح، وبلغ جوهر فزحف إليهم، وكان وصول الشريف سابع شعبان فركب إليه الوزير والناس واجتمع إليه الجند فقرأ عليهم العهد، وأوصل لكلّ جوابه بما أراده من الإقطاع والمال والولاية، وأعطى الوزير جواب كتابه وقد خوطب فيه بالوزير، فجرت