[175] الخليفة الآمر بأحكام الله أبو علي،
  وراودته مصر وهو في بيتها عن نفسه، وقالت هيت لك فرضيها لعرسه وحصّنها بالرّمح المخضوب، ورأى بها ما رأى بيوسف يعقوب، وكان يطيش سيفه، ويغلب ربيع جوده صيفه، وله شعر كأنّه من غابته زئير، يوقع به في قلوب قاصية الملوك خوف ليلة الهرير.
  وقال المقريزي في الخطط: انه ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرّم سنة تسعين وأربعمائة، وبويع له بالخلافة يوم مات أبوه وهو طفل له من العمر خمس سنين وشهر وأيام، يوم الثلاثاء سابع عشر صفر سنة خمس وتسعين، أحضره الأفضل بن أمير الجيوش وبايع له ونصبه مكان أبيه، ونعته بالآمر بأحكام اللّه وركب الأفضل فرسا وجعل في السرج شيئا وركّبه عليه لينمو شخص الآمر فصار ظهره في حجر الأفضل فلم يزل تحت حجره حتى قتل الأفضل ليلة عيد الفطر، فاستوزر بعده القائد أبا عبد اللّه محمد بن [فاتك] البطائحي ولقبّه بالمأمون، فقام بأمر دولته إلى أن قبض عليه ليلة السبت سابع شهر رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة فتفرّغ الآمر لنفسه ولم يبق له ضدّ، وبقي بغير وزير وأقام صاحبي ديوان أحدهما جعفر بن عبد المنعم بن أبي قيراط، والآخر أبو يعقوب إبراهيم السامري، ومعهما مستوف يعرف بابن أبي نجاح كان راهبا، ثم تحكّم هذا الراهب في الناس وتمكّن من الديوان فابتدأ بمطالبة النصارى وحقق في جهاتهم الأموال وحمّلها أولا فأوّلا، ثم أخذ في مصادرة بقيّة المباشرين والمعاملين والضمناء والعمّال وزاد إلى أن عمّ ضرره جميع الرؤساء والقضاة والكتاب والسوقة بحيث لم يخل أحد من ضرره، فلمّا تفاقم أمره قبض عليه الآمر وضرب بالنعال حتى مات بالشرطة، فجر إلى كرسي الجسر وسمر على لوح وطرح في النيل وحذف حتى خرج إلى البحر الملح، فلما كان يوم الثلاثاء أربع عشر ذي القعدة سنة أربع وعشرين وخمسمائة وثب جماعة على الآمر فقتلوه، وكان ماضيا إلى الهودج، وهو عمارة عمرها بسبب زوجته البدوية، وذلك أنه كان مبتلى بعشق الجواري البدويات، فبلغه خبر امرأة جميلة بدويّة من طيّ بناحية الصعيد فتحيّل حتى رآها وشغف بها فخطبها وتزوّجها، ولمّا زفّت إليه حظيت معه، ثم اشتاقت إلى البرّ وما تعتاده، فبنى لها الهودج خارج القاهرة بجانب المقطّم، وهو من عجائب الأبنية، فخرج في هذا اليوم متوجها إليها فكمن له جماعة من النزاريّة أصحاب نزار بن المستنصر في خراب، فلما مرّ بهم في نفر من أخصّائه وثبوا