[175] الخليفة الآمر بأحكام الله أبو علي،
  عليه فضربوه بالسكاكين فحمل وبه رمق إلى الهودج فمات به.
  وكان الآمر كريما سمحا إلى الغاية كثير النزه، محبّا للمال والزينة، وكانت أيّامه كلّها لهو وعيشة راضية لكثرة عطائه وعطاء حاشيته، بحيث لم يوجد بمصر والقاهرة إذ ذاك من يشكو زمانه البتّة، إلى أن نكب الراهب فقبحت سيرته وكثر ظلمه واغتصابه للأموال.
  وفي أيامه ملك الفرنج من المعاقل والحصون بساحل الشام، فملكوا عكّا، في شعبان سنة تسع وتسعين، وغزّة في رجب سنة اثنتين وخمسمائة، وطرابلس في ذي الحجة منها، وبانياس، وجبيل، وقلعة تنين فيها أيضا، وصور سنة ثمان وخمسمائة، وكثرت المرافعات في أيامه، وأحدثت رسوم لم تكن، وعمر الهودج بالروضة، ودكة ببركة الحبش(١)، وعمر تنيس(٢) من بلاد الأرمن، ودمياط، وجدّد قصر القرافة، وكانت نفسه تحدّثه بالسفر إلى بغداد.
  ومن شعره:
  دع اللوم عنّي لست مني بموثق ... فلا بد لي من صدمة المتخنّق(٣)
  وأسقي جيادي من فرات ودجلة ... وأجمع شمل الدين بعد التفرّق
  ومن شعره أيضا:
  أما والذي حجّت إلى ركن بيته ... حوايم ركبان مقلّدة شهبا
  لأقتحمنّ الحرب حتّى يقال لي ... ملكت زمان الحرب فاعتزل الحربا
  وينزل روح اللّه عيسى بن مريم ... فيرضى بنا صحبا ونرضى به صحبا
  وهذه القطعة جيّدة من مثله.
  وكان أسمر شديد السمرة، يحفظ القرآن، ويكتب خطّا ضعيفا، وهو الذي جدّد رسوم الخلافة بعد ما كان الأفضل قد غيّر الرسوم.
  ووقع في أيّامه غلاء قلق الناس منه.
(١) في الأصل: «وترك الحبش» وما أثبتنا من الخطط.
(٢) في الأصل: «سيس» وما أثبتنا من الخطط.
(٣) في الأصل: «المتحقق» وما أثبتنا من الخطط.