[187] أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية
  إلّا أنّ أبيات نصيب وقعت موقعها، ووردت في حال يليق بها، وأبيات الفزردق جاءت في غير وقتها.
  والفرزدق مع تقدّمه في الشعر وبلوغه الغاية القصوى والذروة العليا فيه، شريف الآباء، كريم البيت، له ولآبائه مآثر لا تدفع، ومفاخر لا تجحد.
  والفرزدق لقب له، لأنّه كان غليظ الوجه جهمه ومعناه الرغيف الضخم الذي تجفّفه النساء للفتوت.
  قال المرتضى: وكان شيعيّا مائلا إلى بني هاشم، ونزع في آخر عمره عما كان عليه من القذف(١) والفسق، وراجع طريقة الدين، على أنه لم يكن في خلال فسقه منسلخا من الدّين جملة، ولا مهملا لأمره أصلا.
  ويشهد بذلك ما أخبرنا به عليّ بن محمد الكاتب، عن أبي بكر محمد بن يحيى الصوليّ، عن أبي حفص الفلّاس، عن عبد اللّه بن سوّار، عن معاوية بن عبد الكريم، عن أبيه قال: دخلت على الفرزدق، فجعلت أحادثه، فسمعت صوت حديد يتقعقع، فتأملت الأمر، فإذا هو مقيّد الرّجل، فسألته عن السبب في ذلك، فقال: إني آليت على نفسي ألّا أنزع القيد من رجلي، حتى أحفظ القرآن.
  وأخبرنا أبو عبيد اللّه(٢) المرزباني قال: أخبرني أبو ذرّ القراطيسيّ قال:
  حدثنا ابن أبي الدّنيا قال: حدّثني الرّياشيّ عن الأصمعيّ عن سلام بن مسكين قال: قيل للفرزدق؛ علام تقذف المحصنات؟ فقال: واللّه، للّه أحبّ إليّ من عينيّ هاتين، أفتراه يعذّبني بعدها!.
  وروي أنّه تعلّق بأستار الكعبة، وعاهد اللّه على ترك الهجاء والقذف اللّذين كان ارتكبهما، وقال:
  ألم ترني عاهدت ربّي وإنّني ... لبين رتاج قائما ومقام(٣)
  على حلفة لا أشتم الدّهر مسلما ... ولا خارجا من فيّ زور كلام
  أطعتك يا إبليس سبعين حجة ... فلمّا انقضى عمري وتمّ تمامي(٤)
(١) القذف: الرمي بالسوء.
(٢) في الأصل: «أبو عبد اللّه» وما أثبتنا من الغرر والدرر.
(٣) الرتاج: الباب المغلق، والباب العظيم أيضا قائما، حال بما يدل عليه لبين.
(٤) تمّ تمامي: تمّت حياتي وبلغت نهايتي.