[187] أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية
  حسده الفرزدق، وقال: أنت خطيب، وإنما سلّم له الخطابة إذ ذاك ليخرجه من أسلوب الشعر. ولما بهره من حسن الأبيات وأفرط بها إعجابه، ولم يتمكن من دفع فضلها جملة عدل في وصفها إلى معنى الخطابة.
  وحسد الفرزدق الشعر وإعجابه بجيّده من أدلّ دليل على حسن نقده له وقوة بصيرته، وأنّه كان يطرب للجيّد منه فضل طرب، ويعجب منه فضل عجب. ويدلّ أيضا على إنصافه فيه، وأنه مستقلّ للكثير الصادر من جهته، فإن كثيرا من الناس قد يبلغ بهم الهوى في الإعجاب والاستحسان لما يظهر منهم في شعر أو فضل إلى أن يعموا عن محاسن غيرهم فيستقلّوا منهم الكثير، ويستصغروا الكبير.
  ولأبيات الفرزدق خبر مشهور متداول، قال المرتضى: أخبرنا أبو عبيد اللّه المرزبانيّ قال: أخبرنا ابن دريد قال: أخبرنا أبو حاتم قال: أخبرنا أبو عبيدة عن يونس قال: دخل الفرزدق على سليمان بن عبد الملك وعنده نصيب الشاعر، فقال سليمان للفرزدق: أنشدنا، فأنشده الأبيات المتقدمة، فاسودّ وجه سليمان وغاظه، وكان يظن أنه ينشده مديحا فيه، فلمّا رأى نصيب ذلك قال: ألا أنشدك؟
  فأنشده الأبيات المتقدّمة فاسودّ وجه سليمان وغاضه وكان يظنّ أن ينشده مديحا فيه، فلما رأى نصيب ذلك قال: ألا أنشدك فأنشده:
  أقول لركب قافلين لقيتهم ... قفا ذات أوشال ومولاك قارب
  قفوا خبّروني عن سليمان إنني ... لمعروفه من أهل ودّان طالب
  فعاجوا فأثنوا بالّذي أنت أهله ... ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب
  فقال سليمان: أنت أشعر أهل جلدتك.
  وقيل: إن الفرزدق القائل ذلك لما سأله سليمان عنه.
  وقيل: إن سليمان قال لنصيب: أحسنت ووصله، ولم يصل الفرزدق فخرج وهو يقول:
  وخير الشّعر أكرمه رجالا ... وشرّ الشّعر ما قال العبيد
  قال المرتضى: ولا شبهة في أنّ أبيات الفرزدق مقدمة في الجزالة والرّصانة على أبيات نصيب؛ وكان نصيب قد أغرب وأبدع في قوله:
  «ولو سكتوا أثنت عليك الحقائب»