[188] والد المؤلف، أبو علي، وأبو الحسين، يحيى
  زاهدا في لباسه، لا يبالي بما ليس على مذهب السلف الصالح، وترك قهوة البن قيل لكراهة اسمها، وقيل بل لأمر طبّي، وكان يعرف كثيرا من الأسماء والروحانية وله في ذلك غرائب.
  وكانت الجنّ تهاديه بالتمر النجراني ليلا متى بات مستعدا لاستحضارهم، فإذا أصبح أعطانا منها ونحن صغار، وأدرك من صنعة الكيمياء حظا وافرا رأيناه بعد موته وبيع الآن المعدني ألين منه، ولما ولّاه المهدي تلك الولاية، وخفقت الألوية على رأسه واستنكف وهو شمس أن تعلو رأسه كواكب سماء الاعلام، فكان يستعفي من تلك الولاية مرارا، وفي بعضها يرسل إليه بآلات الموكب من الطبول والرايات والخيل فلا يزيد المهدي إلا إغراء بتوليته فيعيدها إليه ويزيدها ويهاديه بالجواري الحسان، والخيل المسوّمة ومعاطف المرّان، ويظن أنه ما كره الولاية وإنما استقلّ الموصل كما قال أبو الشمقمق، فكتب له مرّة بولاية ذمار وعفّار إضافة إلى يريم وما إليها فأرجع العهد، وبعد المراجعة قبل عقيلة يريم وهي الحسنى، فكان المهدي يرسل إليه في كلّ شهر من ديوانه خارجا عن جباية البلاد ثلاثة آلاف حرف مما ضرب في أيامه وهي نحو ألف قرش، وكان يعتقد فضله ويشتفي بتمايمه ويخاطبه الولد الخفي، وإذا دخل إليه أيس الكتّاب والوزراء من الوصول إليه لطول خلوّهما في الحديث.
  وكان والدي مع كثرة ما تطفّلت عليه الدنيا لا يبق درهما، وربما جاءه في بعض الأوقات الخمسمائة دينار وأكثر فينفقها في يومه صلات للذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف ولأرحامه، وكان أكرم الناس، وكان أكثر صلاته وصلواته سريّة، وكان يصوم رجبا وشعبان وأيام البيض ويوم عرفة.
  وفي آخر سنة تسع وثمانين وألف توجّه أمير الحاج اليماني بالناس ولم يكن تحدّث بالحج تلك السنة، فاتّفق أن المهدي دخل من الغراس - بكسر المعجمة وبعد الراء والألف سين مهملة - محلّ على نحو أربعة أميال من صنعاء. كان يسكنه فركب إليه والدي وهو بدار الجامع، وذكر له إرادة الحج فأجابه إلى داره، وتجهّز للسفر في ثلاثة أيام، ووصله المهدي بخمسمائة دينار وخيل وجمال وغير ذلك، وكنت أنا في نحو التسع من السنين، فسألته الصحبة وكان كثير الشفقة عليّ فأجابني، ولكن غلبه بعض أهلنا من النساء، وذكر له وباء الطريق فأضرب عن ذلك، وحج من أولاده بعلي ومحمد والحسين وكثير من النساء والجواري وسار