[189] الخطيب أبو الفضل، يحيى بن سلامة بن
  وسأجفوها، فقلت: متى؟ ... قال: عند الكون في الجدث(١)
  قلت: هذه المراجعة من المحاسن، إلّا أن مذهبي أن ذكر الحدث ومخرجه مما يكسب رائحة الشراب الريحاني زهومة في الشعر.
  ورأيت في بعض نسخ وفيات الأعيان أبياتا في المعنى والروي أنسبت لمن نسبها القاضي وهي:
  وقائل لم شربت الخمر؟ قلت له: ... إنّي سأشربها حيّا وفي جدثي
  قم فاسقني قهوة حمراء صافية ... صرفا حراما فإنّي غير مكترث
  فإن يكن حللوها بالطبيخ ففي ... حشاي نار تبقّيها على الثلث
  قالوا: فلم تتقاياها؟ فقلت لهم: ... إنّي أنزهها عن مخرج الحدث(٢)
  إلا أن هذا الشاعر أبدع في الثالث، وأبدع منه في المطبوخ قول ابن المعتزّ:
  وقتني من نار الجحيم بنفسها ... وذلك من إحسانها ليس يجحد
  فأما شربها في الحدث فإنّما استمده الخطيب فيما أحسب من قول أبي محجن الثقفي(٣) فإنّه كان شجاعا شرّيبا:
(١) وفيات الأعيان ٦/ ٢٠٦، معجم الأدباء ٢٠/ ١٩.
(٢) وفيات الأعيان ٦/ ٢٠٦.
(٣) عمرو بن حبيب بن عمرو بن عمير بن عوف: أحد الأبطال الشعراء الكرماء في الجاهلية والاسلام.
أسلم سنة ٩ هـ، وروى عدة أحاديث، وكان منهمكا في شرب النبيذ. فحدّه عمر مرارا، ثم نفاه إلى جزيرة بالبحر، فهرب ولحق بسعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية يحارب الفرس. فكتب إليه عمر أن يحبسه، فحبسه سعد عنده، واشتد القتال في أحد أيام القادسية، فالتمس أبو محجن من امرأة سعد (سلمى) أن تحل قيده، وعاهدها أن يعود إلى التقيد إن سلم، وأنشد أبياتا في ذلك، فخلت سبيله، فقاتل قتالا عجيبا، ورجع بعد المعركة إلى قيده وسجنه، فحدثت سلمى سعدا بخبره، فأطلقه وقال له: لن أحدّك أبدا. فترك النبيذ وقال: كنت آنف أن أتركه من أجل الحد! وتوفي بأذربيجان أو بجرجان سنة ٣٠ هـ. وبعض شعره مجموع في «ديوان - ط» صغير.
ترجمته في: خزانة الأدب للبغدادي ٣: ٥٥٣ - ٥٥٦ والإصابة الترجمة ١٠١٧ «باب الكنى» وفيه: «أبو محجن مختلف في اسمه، قيل: هو عمرو بن حبيب وقيل: اسمه كنيته - أي أبو محجن - وكنيته أبو عبيد وقيل: اسمه مالك، وقيل: عبد اللّه»، والآمدي ٩٥ وسماه «حبيب بن عمرو» وشرح شواهد المغني ٣٧ وفيه: «قيل: اسمه عبد اللّه بن حبيب، بالتصغير» والشعر والشعراء ١٦٢، الاعلام ط ٤/ ٥ / ٧٦.