[190] السيد أبو الحسن يحيى بن إبراهيم بن علي
  وقد وجّه به فأجاد وجاء بالتورية في الحشيش وهو الشهدانق بالفارسية ويعرف بخمر الفقراء لإسكاره، وذلك أن طبعه ملاء الرأس بخارا فيخمّر العقل، وهو حار يابس في أول الثالثة يخفف البلغم بارد بالعرض وهو يطرد الرياح وبذلك يضعف الوقاع، وهو عقار قديم ذكرته اليونان، وقيل: انه بارد يسكر بالتخدير كلبن الخشخاش.
  وما أحسن قول الشباب الظريف محمد بن العفيف التلمساني:
  زار وجيب الظلام منسدل ... فانشق ثوب الدجى عن الفجر
  وبت من صدغه ومبسمه ... أجمع بين الحشيش والخمر
  أخذه القاضي زين الدين بن الوردي(١) فقال:
  ومليح قال جهرا ... يا نفوس الناس عيشي
  من رضابي وعذاري ... بين خمر وحشيش
  وقال المقريزي: قال الحسن بن محمد في كتاب السوانح الأدبية في مدائح العينيّة: سألت الشيخ جعفر بن محمد الشيرازي ببلدة تستر سنة ٦٥٨ عن السبب في الوصول إلى هذا العقار ووقوعه إلى الفقراء خاصّة، فذكر لي: إن شيخه الشيخ حيدر كان كثير الرياضة والمجاهدة، قليل استعمال القوت، وكان مقيما بجبل بين نشاور وما وراه وله بجبل هناك زاوية وفي صحبته جماعة من الفقراء ومكث به أكثر من عشر سنين لا يخرج منها ولا يدخل عليه أحد غيري، ثمّ إن الشيخ طلع يوما وقد اشتدّ الحرّ وقت القائلة منفردا بنفسه إلى الصحراء ثم عاد وقد علا وجهه نشاط وسرور خلاف ما كنّا نعهد من حاله قبل، فأذن لأصحابه في الدخول عليه، فلما رأينا الشيخ على هذه الحالة من المؤانسة بعد اعتزاله تلك المدة في الخلوة سألناه، فقال: بينما أنا في خلوتي إذ أخطر ببالي الخروج إلى الصحراء منفردا، فخرجت فوجدت كل شيء من النبات ساكنا لا يتحرك لعدم الريح وشدّة القيظ، ومررت بنبات له ورق فرأيته في تلك الحال يميس بلطف ويتحرك من غير عنف كالثمل النشوان، فجعلت أقطف منها أوراقا فآكلها فحدث عندي من الارتياح ما شاهدتموه، ثم قمنا فأرانا إيّاه، فقلنا: هذا نبات يقال له:
(١) عمر بن المظفر، مرت ترجمته بهامش سابق.