[190] السيد أبو الحسن يحيى بن إبراهيم بن علي
  على رغم أنف المجد يا برق والعلى ... فراغ يدي فيها وشغلة بال(١)
  ومن رسائله:
  ما تقول علماء العدل، وقضاة الإحسان، وحكام الإنصاف، ومشايخ المروءة، في رجلين ارتضعا لبان المحبّة، ونشئا في مهاد الصحبة، واقتعدا كرسي الألفة، وتفيئا ظلال الصداقة، وتخطّرا في ميدان المعرفة، واقتطفا زهر كرم المعيشة، وكان يجمعهما من أخوة الأدب، أكثر مما يجمعهما من أخوة النسب:
  وكنا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا
  فهبّت لأحدهما ريح الإقبال، ولمعت له لمعة سعد، وأمطرته سحابة خير، وظللته غمامة حظّ، ولاحظته عين رعاية، وابتسم له ثغر دهر، وبقي الثاني في ظلّ العفو، وروض العافية، وجنّة الستر، وغرفة السلامة، وملك القناعة، وسلطان الكفاف، وعزّ الرضا، ورواق التسليم، يسبح من حسن الظن في غير ماء، ويطير مع طول الأمل بغير جناح إلى عنان السماء، وينفخ من شدة الحرص في غير ضرم، ان التفت يمنة وجد محنة، أو نظر يسرة رأى حسرة، أو حاول به اللحاق، احتاج إلى البراق، أو رام النظر إليه احتاج إلى زرقاء اليمامة.
  وقد كان يقسم باللّه التي وسعت العباد رحمته، وشملتهم نعمته، أنه إذا ثنيت له الوسادة، ولاحظته عين السعادة، وخرج من زاوية الخمول، وطلع نجمه بعد الأفول، وخفق في العالم علمه، وتصرف في النهي والأمر لسانه وقلمه، ليبلغنه من الخيرات ما لا قلب فكّر فيه، ولا لسان نطق به، ولا جارحة تكلفته، ولا عين رأته، ولا أذن سمعته، ولا خطر على قلب بشر قطّ.
  فافتونا مأجورين. مثابين إن شاء اللّه تعالى: ما الذي يجب في شريعة المودّة، ويسنّ في دين الفتوّة، ويندب في ملّة الوفاء، ويباح في فقه العرف، وما جزاء من أشقى من استسعد به، وعقوبة من حرم من استرفد فضله، وأدب من قطع الرجاء عنه، ونكال من بتّ السبب منه، وما الذي ينجيه من غمرات البغي، ويخلصه من لهوات الغدر، وينقذه من بين أنياب الأيمان المغلظة، ويتداركه من أصفاد العهود الوثيقة، ويكفه من سلاسل المواثيق الأكيدة. ويطلقه من أغلال
(١) نشر العرف ٢/ ٨١٠ - ٨١١.