[14] السيد شمس الدين، أبو محمد، أحمد بن الحسن
  فأطرقت أتوّقع ضرب العنق، فإني لكذلك إذ قال لي: يا محمد، فوثبت قائما فقال: ويحك أرأيت أعجب مما تهيّأ علينا، فقلت: الساعة واللّه يا سيدي تخرج روحي فعلى من أصابنا بالعين لعنة اللّه، فما كان السبب، قال: فكرت في أن جعفرا يقعد هذا المقعد وتقعد معه كما هي قاعدة معي، فلم أطق الصبر وخامرني ما أخرجني إلى ما رأيت، فسرى عني، فقلت: بل يقتل اللّه جعفرا ويحيى أمير المؤمنين أبدا، وقبّلت الأرض وقلت: اللّه، اللّه إرحمها ومر بردّها، فقال لبعض الخدم الوقوف: مرجئ بها، فأقبلت، فلما رآها جذبها إليه وعانقها وبكيا وبكيت لبكائهما، ثم سألته عن تلك الحال فأخبرها بما وقع في خاطره، فقالت له: يا مولاي مر الآن بضرب عنقي واسترح من الفكرة في هذي، ثم أمر بمال كثير وجوهر فأفيض عليها، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، وصرنا إلى أحسن ما كنّا عليه إلى الليل، ثم تفرّقنا، وضرب الدهر ضربانه وتقلّد المتوكّل، فو اللّه إنه لفي منزلي في غير يوم تقريني إذ هجم عليّ رسل الخليفة فما أمهلوني حتى ركبت إلى الدار وأدخلت واللّه الحجرة بعينها، فإذا المتوكّل في الموضع الذي كان فيه الواثق بعينه، وعلى السرير بعينه، وإلى جنبه فريدة، فلما رآني قال: ويحك!، أما ترى ما أنا فيه مع هذه منذ غدوة أطالبها بأن تغنّي فتأبى ذلك؟ فقلت لها: يا سبحان اللّه أتخالفين سيدك وسيد البشر!:
  بحياته غنّي، فضربت ثم اندفعت تغنّي:
  مقيم بالحجازة من قنونا ... وأهلك بالأجيفر والثماد(١)
  فلا تبعد فكلّ فتى سيأتي ... عليه الموت يطرق أو يغادي
  ثم ضربت بالعود الأرض، وألقت نفسها من السرير، ومرت تعدو وتصيح وا سيّداه، فقال لي: ويحك ما هذا؟ فقلت: لا أدري واللّه يا سيدي، قال: فما ترى؟ قلت: أرى أن أنصرف أنا وتحضر هي ومعها غيرها، فإن الأمر يؤول إلى
(١) في الأغاني: «المجازة»، وذو المجازة منزل من منازل طريق مكة بين ماوية وينسوعة على طريق البصرة، والمجازة أيضا: واد وقرية من أرض اليمامة، ياقوت ٥/ ٥٦.
قنونى: من أودية السراة يصبّ إلى البحر في أوائل أرض اليمن من جهة مكة قرب حلي، وبالقرب منها قرية يقال لها يبت، ياقوت ٤/ ٤٠٩.
الأجيفر: موضع في أسفل السبعان من بلاد قيس.
الثماد: موضع في ديار بني تميم قرب المروت. ياقوت ٢/ ٨٣.