[17] الخليفة الناصر لدين الله، أبو العباس
  لولا ولاء بني العبّاس ما ثقلت ... لمفلس مخسر في الحشر ميزان
  أنتم وقد بيّن الرحمن فضلكم ... بين الهدى وضلال السّعي فرقان
  يا ناشر العدل في الدّنيا ومنشره ... ومن به تفخر الدّنيا وتزدان
  لم يبق للجور سلطان على أحد ... أنّى وأنت لأهل الأرض سلطان
  لا زلت بدر تمام يستضيء به ... ويهتدي في ظلام اللّيل حيران
  ولا سعى لك صرف الدّهر في حرم ... ولا رأى وجه من يرجوك حرمان
  قالوا القران وطوفان الهواء له ... بالشّرّ عن كثب في الأرض طوفان
  وما لهم فيه برهان وطائرك ال ... ميمون فيه لدفع الشّرّ برهان
  وكيف تسطو اللّيالي أو يكون لها ... في عصر مثلك إرهاق وعدوان
  سعادة لو أحاط الخازميّ بها ... لعاد فيما ادّعاه وهو خزيان
  فاسعد بها دولة غرّاء ما ادّرعت ... بمثلها حمير قدما وساسان
  واسلم تدوم لك النّعمى فإنّك ما ... بقيت في جذل فالدّهر جذلان(١)
  وللّه هذا اللؤلؤ المكنون، الذي ناسب ناظمه فساق إلى البحر النون، وهذه المعاني المتلاعبة بالعقول، التي تدار منها على المسامع الشمول.
  وأشار أمين الدولة بقوله: «القرآن وطوفان الهوى له» أي ما زعمه المنجمون من أن السبعة الكواكب اجتمعت أيام نوح # في برج الحوت وهو مائي، فأوجب ذلك الطوفان المائي، وإنّها اجتمعت في أيام الإمام الناصر في برج الميزان وهو هوائي فدلّ على حصول طوفان ريح تخرّب أكثر المعمور، ولو كان زحل معها كما وقع في قران نوح # لعمّ طوفان الريح الأرض كما عمّها في أيام نوح #، والذي اجتمع في أيام الناصر الستة ما عداه، وشاع ذلك وأجمع المنجمّون عليه وشرع أكثر ملوك الأعاجم في اتخاذ الاسراب الكبار تحت الأرض وإعداد الأزداد، وبالغوا في ذلك، فلما كانت الليلة التي دلّ القرآن أن طوفان الرياح يقع فيها لم ير مثلها ركود، ولم تكد تهب ريح.
  وذكر العماد الكاتب في البرق الشامي قال: استدعاني السلطان، يعني صلاح الدين بن أيوب وهو يومئذ يحاصر الأفرنج على بعض قلاع الساحل، فدخلت إليه وقد دخل بالمساء، وأوقدت الشموع الكبار، فلم تكد تهب نسيم،
(١) ديوان سبط بن التعاويذي ٤١٢ - ٤١٦.