[17] الخليفة الناصر لدين الله، أبو العباس
  حتى إذا أبصرت بعض الذي كرمت ... مما يشق من الأولاد من خلق
  هزت بهم مهدها شيئا تنبههم ... ثم استشاطت وآل الطبع للحرق
  فصكّت الأرض غيضا فهي لافظة ... بعضا على بعضهم من شدّة الحنق
  أجاد النظم، وناسب العلّة، وأوجز الوعظ.
  وأمّا ما حكم المنجمون ولم يقع فمثل واقعة المعتصم لما غزا بلاد الروم فإنهم أجمعوا أنه يموت أو ينهزم الجيش، فسار وغنم وقتل وبلغ إلى حيث لم يبلغه من قبله، وعاد ظافرا سالما، وقال أبو تمّام يهنئه:
  السيف أصدق إنباء من الكتب ... في حدّه الحدّ بين الجدّ واللعب
  بيض الصفائح لا سود الصحائف في ... متونهنّ جلاء الشكّ والريب
  والعلم في شهب الأرماح لامعة ... بين الخميسين لا في السبعة الشهب
  أين الرواية بل أين النجوم وما ... صاغوه من زخرف فيها ومن كذب
  تخرّصا وأحاديثا ملفقة ... ليست بنبع إذا عدّت ولا غرب
  عجائبا زعموا الأيام مجفلة ... عنهنّ في صفر الأصفار أو رجب
  وخوّفوا الناس من دهياء مظلمة ... إذا بدا الكوكب الغربيّ ذو الذنب
  وصيروا الأبرج العليا مرقبة ... ما كان منقلبا أو غير منقلب
  يقضون بالأمر عنها وهي غافلة ... ما دار في فلك منها وفي قطب
  لو بيّنت قطّ أمرا قبل موقعه ... لم يخف ما حلّ بالأوثان والصلب
  فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ... نظم من الشعر أو نثر من الخطب
  فتح تفتّح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض في أثوابها القشب(١)
  وهذه القصيدة طويلة من أشهر شعر أبي تمّام وأجوده، وأوردها ابن قيّم الجوزية في كتابه مفتاح السعادة عندما أراد إبطال كلام المنجمين.
  وأراد أبو تمّام بقوله: «لو بيّنت قطّ أمرا قبل موقعه ...» البيت، إنها ما كانت تخفى ما نزل بأصنام الروم من تلك الغزاة لا مطلق الأصنام، فإن ترامي النجوم قبل مبعث رسول اللّه ÷ دلّت الكهانة عليه، والحق أن اللّه تعالى لم يخلق النجوم عبثا، وإنها تدل على ما يقع في العالم السفلي، وإنما يخلف ذلك لكثرة المتعاطي وجهله.
(١) كاملة في ديوان أبي تمام ١٤ - ١٨.