[31] أبو هاشم إسماعيل بن يزيد بن وادع
  وعن ابن عبد اللّه عمرو(١) قبله ... وعن الوليد وعن أبيه الصقعب(٢)
(١) ابن عبد اللّه عمرو: هو عمرو بن عبد ود العامري بطل الأحزاب وقائدهم وسماه عبد اللّه نظرا إلى الحقيقة إذ كل الناس عبيد اللّه. وهو الذي تحدى المسلمين وعبر الخندق الذي حفروه ليكون حائلا بينهم وبين المشركين وعبر معه عكرمة بن أبي جهل ونوفل بن عبد اللّه وضرار بن الخطاب وهبيرة بن أبي وهب. وكان عبورهم من مكان ضيق أغفله المسلمون. وتحداهم مرة أخرى حيث وقف أمامهم وجها لوجه مناديا بأعلى صوته: -
ولقد بححت من النداء بجم ... عكم هل من مبارز
ووقفت إذ جبن المشج ... ع وقفة الرجل المناجز
وكذاك إني لم أزل ... متسرعا قبل الهزاهز
إن الشجاعة في الفتى ... والجود من خير الغرائز
فقام علي سلام اللّه عليه وقال: أنا له يا رسول اللّه. فقال النبي ÷ إنه عمرو. ثم كرر عمرو النداء وجعل يوبخ المسلمين قائلا: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبروزون لي؟ فقام علي # وقال: أنا له يا رسول اللّه. فقال: اجلس إنه عمرو بن عبد ود. ثم نادى الثالثة فقام علي # وقال: أنا له يا رسول اللّه. فقال: إنه عمروا فقال وإن كان عمرو.
فأعطاه سيفه ذا الفقار وألبسه درعه وعممه بعمامته وقال: اللهم أعنه عليه. اللهم إنك أخذت عبيدة مني يوم بدر وحمزة يوم أحد. وهذا علي أخي وابن عمي فلا تذرني فردا وأنت خير الوارثين. ثم تقدم أبو الحسن إلى عمرو وهو يقول:
لا تعجلن فقد أتاك ... مجيب صوتك غير عاجز
ذونية وبصيرة ... والصدق منجى كل فائز
إني لأرجو أن أقيم ... عليك نائحة الجنائز
من ضربة نجلاء يب ... قى ذكرها عند الهزاهز
فقال عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي. قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال:
غيرك با ابن أخي من أعمامك من هو أكبر منك سنا، فإني أكره أن أهريق دمك. فقال: لكني واللّه ما أكره أن أهريق دمك. فغضب وقدم نحو علي #. فقال له علي: يا عمرو إنك كنت عاهدت اللّه على أن لا يدعوك أحد من قريش إلى إحدى خلتين إلا قبلتها. قال: أجل. قال علي: فإني أدعوك إلى اللّه وإلى رسوله ÷ وإلى الإسلام. فقال لا حاجة لي بذلك. قال علي #: فإني أدعوك إلى البراز. فضحك عمرو وقال: إن هذه لخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يروعني بها. ثم نزل عن فرسه وسل سيفه كأنه شعلة نار فعقر فرسه. ودنا هو والإمام كل من الآخر فثارت بينهما غبرة. وضرب عمرو عليا # بالسيف فنشب سيفه في ترس علي. ثم بادره أمير المؤمنين بضربة على حبل العاتق (هو موضع الرداء من العنق) فأرداه صريعا يخور بدمه. فكبر الإمام وكبر المسلمون. وفر أصحاب عمرو وعبروا الخندق إلا نوفل بن عبد اللّه فإنه سقط في الخندق. فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة. فقال لهم: قتلة أجمل من هذه ينزل إليّ بعضكم أقاتله. فنزل إليه أمير المؤمنين # فقتله. وبقتل عمرو بن عبد ود وهروب أصحابه ثم - بهبوب الريح الشديدة الباردة على المشركين انتهت المعركة بنصر مبين للنبي ÷. فتنفس المسلمون الصعداء بعد أن أخذ جيش الأحزاب بخناقهم. وأشاع المنافقون الذين في المدينة مختلف الأقاويل الكاذبة والحكايات المقلقة المشككة. ولهج النبي ÷ بالدعوات إلى بارئه سبحانه وتعالى فمما يؤثر من ادعيته في هذه الواقعة (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب) وقوله عليه الصلاة والسلام: (يا صريخ المكروبين. يا مجيب المضطرين، اكشف همي وغمي وكربي، فإنك ترى ما نزل بي وبأصحابي) وقوله ÷ (اللهم استر عورتنا، وآمن روعتنا).
ومن الآيات الكريمة التي نزلت بهذه المناسبة وفيها أروع تصوير للهلع الذي استولى على المسلمين من تفوق أعدائهم عليهم بالعدة والعدد. وللدور السيء الذي لعبه المنافقون المندسون في صفوف المسلمين، قوله تعالى في سورة الأحزاب {إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} الآية - ١٠ - {هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً} الآية - ١١ - {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً} الآية - ١٢ - إلى قوله تعالى {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً} الآية - ٢٥ - ورجع علي # من المعركة فاستقبله عمر بن الخطاب ¥ قائلا: هلا سلبته درعه فإنه ليس في العرب درع مثلها. فقال له:
إني استحيت أن أكشف سوأة ابن عمي. وقد قدرت أخت عمرو هذه الأريحية النادرة فاطرت قاتل أخيها بقولها:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... بكيته ما أقام الروح في جسدي
لكن قاتله من لا يعاب به ... قد كان يدعى قديما بيضة البلد
وخير وسام قلده النبي ÷ لابن عمه البطل قوله عندما برز لعمرو (برز الايمان كله إلى الشرك كله) وقوله بعد مقتل عمرو (قتل علي لعمرو بن عبد ود العامري يعدل عبادة الثقلين) وقيل (أفضل من عبادة الثقلين).
(لخصنا هذا البحث عن السيرة الحلبية ٢: ٣٣٧ - ٣٤٢، والسيرة النبوية لزيني دحلان المطبوعة على هامش السيرة الحلبية ٢: ١٣٠ - ١٣٥، ونهاية الأرب للنويري ١٧: ١٧٣ - ١٨٣، والإرشاد للمفيد ٤٤ - ٤٩، وعيون الأثر لابن سيد الناس ٢: ٦١ - ٦٢، ولسان العرب مادة بيض).
أما قول الشاعر (وعن الوليد وعن أبيه) يقصد الوليد وأباه عتبة بن ربيعة اللّذان قتلا مع شيبة في واقعة بدر، والصقعب: الطويل من الرجال.
(٢) عرض الشاعر في هذا البيت والأبيات التي تليه إلى رقم (٩٩) ما جرى في غزوة بني قريضة وملخص الحادث: -
لما انهزم الأحزاب خاف بنو قريضة ودخلوا حصونهم لأنهم هم الذين البوا قريشا وحلفاءهم من هوازن وغطفان وغيرهم. وجمعوهم لمحاربة المسلمين ناقضين بذلك عهدهم الذي قطعوه للنبي ÷ بأن يكونوا على الحياد في حربه مع قريش فأوضى اللّه سبحانه وتعالى إلى نبيه بالمسير إلى بني قريضة. فانفذ أمير المؤمنين إليهم بثلاثة آلاف من المقاتلين فسار علي # حتى ركز الراية في أصل حصن من حصونهم، ثم لحق النبي ÷ بأصحابه، فضربت له خيمة هناك وأقام محاصرا لبني قريضة خمسا وعشرين ليلة، وفي اليوم التالي صاح أمير المؤمنين: يا كتيبة الإيمان، واللّه لأذوقن ما ذاق حمزة أو أفتح حصنهم، عند ذاك أخذهم الرعب، فوافقوا على التسليم على =