[34] أيمن بن حزيم بن فاتك، وقيل ابن خريم بن
  إذا لم يخالطن كل الخلا ... ط أصبحن مخرنطمات(١) غضابا(٢)
  وروي أن عبد الملك بن مروان كان شديد الشغف بالنساء، فلما أسنّ ضعف عن الجماع، فازداد غرامه بهنّ، فدخل عليه يوما أيمن المذكور فقال له:
  كيف أنت يا أيمن؟ قال: بخير يا أمير المؤمنين، قال: كيف قوّتك؟ قال: كما أحبّ والحمد للّه إني لآكل الجذع من الضأن(٣)، والصاع من التمر، وأشرب العسّ(٤) المملوّ أغبّة غبّا، وارتحل الجمل الصعب فأنصبه، وأركب المهر الأرن فأذلّله، وافترع العذر لا يقعدني عنها الكبر.
  فغاض ذلك عبد الملك فحسده وجفاه واطرحه حتى أثر ذلك في حاله وحجبه أيضا وقطع عطاءه، فقالت له امرأته: أصدقني هل لك جرم؟ قال: لا واللّه، قالت: فأي شيء دار بينك وبين أمير المؤمنين آخر ما لقيته؟ فأخبرها، فقالت: من هنا أتيت، أنا أحتال لك، فتهيأت ودخلت على عاتكة بنت يزيد زوجته، فقالت: أسألك أن تستعدي أمير المؤمنين على زوجي، قالت: فيم؟
  قالت: ما أدري أنا مع رجل أو حائط؟ فإن له سنين ما يعرف فراشي، فخرجت عاتكة فأخبرت عبد الملك، فوجّه فيه وسأله عما ذكرت فاعترف بذلك، فقال: أو لم أسألك عام أول عن حالك فوصفت كيت وكيت، فقال: يا أمير المؤمنين إن الرجل ليتجمّل عند سلطانه، ويتجلّد لأعدائه بأكثر مما وصفت به نفسي، وأنا القائل، وأنشد الأبيات المتقدمة، فجعل عبد الملك يضحك من قوله، ثم قال:
  أولى بك يا بن حزيم، لقد لقيت منهن برحا فما ترى أن نصنع بينك وبين زوجتك؟ قال: تأجلها أجل العنين لعلّي أستطيع إمساكها، قال: إفعل، وردّها إليه وأمر له بما قد فات من عطائه وزاد في برّه وتقريبه(٥).
  ومن هذه المادة قول السرّاج الورّاق(٦):
(١) مخرنطمات: وصف من إخرنطم: إذا رفع أنفه واستكبر وغضب. واخرنطم الرجل: عوج خرطومه وسكت على غضبه. والمخرنطم: الغضبان المتكبر مع رفع رأسه (اللسان مادة خرطم).
(٢) الأغاني ٢٠/ ٢٢٢ - ٢٢٣، الشعر والشعراء ٤٥٥، عيون الأخبار ٤/ ١٠٢.
(٣) الجذع من الضأن: الصغيرة في السنة الثانية (اللسان مادة: جذع).
(٤) العسّ: القدح الضخم، وقيل هو أكبر من الغمر، وهو الطول، يروّي الثلاثة والأربعة، والعدّة والرفد أكبر منه، والجمع عساس وعسسه (اللسان مادة: عسس).
(٥) الأغاني ٢٠/ ٢٢٢ - ٢٢٣.
(٦) مرّت ترجمته بهامش سابق.