[40] أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة أبي عبد
  وسمعت من يحكي حكاية يستدل بها على فضل(١) هذا الرأس الكريم وهي: إن السلطان يوسف بن أيوب لما أخذ أهل القصر - قلت: يعني الخلفاء الإسماعيلية وستأتي إشارة إلى عددهم - وشي إليه بخادم له قدر في الدولة الفاطمية، وكان زمام القصور، وقيل أنه يعرف الأموال التي في القصور والدفائن، فأخذ وسئل فلم يجب بشيء وتجاهل، فأمر صلاح الدين بن أيوب المذكور بتعذيبه، فأخذه متولّي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدّ عليها فرموا به، وقيل: إن هذا أشدّ العقوبات، فإن الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة لأنها تنفث دماغه وتقتله، ففعل به ذلك مرارا وهو لا يتأوّه، وتؤخذ الخنافس ميتة، فعجب من ذلك وأحضره وقال له: هذا سرّ فيك ولا بد أن تعرّفني، قال: واللّه ما سبب هذا إلّا إنني لما وصل رأس الإمام الحسين # حملته، قال: وأيّ سرّ أعظم من هذا؟ وراجع في شأنه، فعفا عنه(٢).
  قلت: كان هذا السر على الجلاد أثبت إيمانا من صلاح الدين بن أيوب، فإنه كان شديد النصب، وبلغ نصبه أن سنّ لأهل الشام ومصر سنّة الكحل يوم عاشوراء والزينة والفرح، وطبخ الحبوب الذي أشار إليه أبو الحسين بن منير في قصيدته بعد أن كانت تجعله ملوك الإمامية والإسماعيلية كبني بويه وخلفاء الفاطمية يوم حزن ونوح، إرغاما للشيعة كما سنشير إليه إن شاء اللّه تعالى، فيا عجباه يحزن رسول اللّه ÷ قبل وقوعه لما أتاه جبريل # بترابه، ويأمر هذا الكردي القادري بجعله يوم العيد، وهؤلاء اليهود جعلوا أوقات الفرح عليهم كالخروج من التيه، ودفع الطاعون والنجاة من فرعون أعيادا، ولم ينكره اللّه عليهم، فالمسلمون أولى بجعل يوم الغدير عيدا، ويوم عاشوراء مأتما.
  وللّه [در] أبو الحسين الجزّار حيث قال:
  ويعود عاشورا يذكّرني ... قتل الحسين فليت لم يعد
  أوليت عينا فيه قد كحلت ... أجفانها لم تخل من رمد
  ويد به لشماتة خضبت ... مقطوعة من زندها بيدي
  أما وقد قتل الحسين به ... فأبو الحسين أحقّ بالكمد
(١) في هامش الأصل: «شرف» وفي الخطط المقريزية: «بعض شرف».
(٢) الخطط المقريزية ٢/ ٢٨٤.