[40] أبو الفضل جعفر بن شمس الخلافة أبي عبد
  عساكر جمّة إلى بيت المقدس وبه سكان، والمغازي ابنا أرتق في جماعة من أقاربهما ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك، فراسلهما الأفضل يلتمس منها تسليم المقدس إليه بغير حرب فلم يجباه إلى ذلك فقاتل البلد ونصب عليها المجانيق وهدم منها جانبا فلم يجد بدّا من الأذعان له فسلّماه إليه فخلع عليهما وأطلقهما وعاد في عساكره، وقد ملك القدس ودخل عسقلان، وكان بها مكان دارس به رأس الحسين بن علي # فأخرجه وعطّره وحمله في سفط إلى أجمل دار بها وعمّر المشهد، فلما تكامل حمل الأفضل الرأس على صدره وسعى به ماشيا إلى أن أدخله في مقرّه، وقيل أن المشهد بعسقلان بناه أمير الجيوش بدر الجمالي، فكلّمه ابنه الأفضل.
  ثم قال: وكان حمل الرأس من عسقلان إلى القاهرة ووصوله إليها يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وكان الذي جاء به من عسقلان إلى القاهرة الأمير يوسف قيّم المملكة نسيم وإليها القاضي المؤتمن بن مسكين مشارفها، وحصل في القصر يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة.
  ويذكر أن هذا الرأس لما أخرج من عسقلان من المشهد وجد دمه لم يجفّ، وله ريح كريح المسك، فقدم به الأستاذ مكنون في عشاري من عشاريات الخدمة، ونزل به إلى الكافوري ثم حمل في السرداب إلى قصر الزمرد، ثم دفن عند قبة الديلم بباب دهليز الخدمة، فكان كل من يدخل الخدمة يقبّل الأرض أمام القبر، وكانوا ينحرون في يوم عاشوراء عنده الإبل والبقر والغنم، ويكثرون النوح والبكا، ويسبّون من قتل الحسين، ولا يزالون على ذلك حتى زالت دولتهم(١).
  وقال ابن عبد: الظاهر مشهد الإمام الحسين ~، أراد الصالح طلائع بن رزّيك(٢) أن ينقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها الأفرنج، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه فيه ويفوز بهذا الفخار فغلبه الفاطميون على ذلك، وقالوا: لا يكون ذلك إلّا عندنا، فبنوا له ذلك المكان ونقلوا الرخام إليه، وذلك في خلافة الفائز على يد الصالح طلائع في سنة تسع وأربعين وخمسمائة.
(١) الخطط المقريزية ٢/ ٢٨٣ - ٢٨٤.
(٢) ترجمه المؤلف برقم ٨٧.