[43] أبو الفضل، جعيفران بن علي بن أصغر بن
  سواء، فأمسك عنه وأمر بردّه وحمله إلى منزله، فلما رجع أطعمه ووهب له دراهم وقال له: ما أردت أن يرد اللّه على ما ذهب من بصري أو غير ذلك؟
  فقال جعيفران: واللّه لئن كنت وهبت لي الدراهم لأسخر منك إنك لأنت المجنون لا أنا، إخبرني كم أعور صار أعمى؟ قال القاضي: كثير، قال: فهل رأيت أعور صحّ قطّ؟. قال: لا، قال: فكيف توّهمت عليّ الغلط، فضحك منه وصرفه(١).
  قلت: أحسب أن الشاعر أخذ منه.
  ومن قول الشاعر الحسن بن سهل المشار إليه في أول الكتاب:
  خاط لي عمرو قباء ... ليت عينيه سواء
  وهذا نوع من البديع يسمى إيهام المدح بالذم، ومما يعجبني منه قول الحماسي(٢):
  لو كنت من مازن لم تستبح إبلي ... بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا(٣)
  إذا لقام بنصري معشر خشن ... عند الحفيظة إن ذو لوثة لأنا(٤)
  لا يسألون أخاهم حين يندبهم ... في النائبات على ما قال برهانا
  لكنّ قومي وإنّ كانوا ذوي حسب ... ليسوا من الشرّ في شيء وإن هانا
  يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة ... ومن إساءة أهل السوء إحسانا
  كأنّ ربّك لم يخلق لخشيته ... سواهم في جميع الناس إنسانا
  فليت لي بهم قوما إذا ركبوا ... شنّوا الإغارة فرسانا وركبانا
  قوم إذا الشرّ أبدى ناجذيه لهم ... طاروا إليه زرافات ووحدانا(٥)
  الزرافات: الجماعات، وظاهر يجزون وما بعده المدح وباطنه الذم بالذلّة،
(١) الأغاني ٢٠/ ٢٠٧.
(٢) الأبيات لرجل من بلعنبر يقال له قريط بن أنيف.
(٣) تستبح: من الاستباحة، وهي استحلال الشيء ظلما. اللقيطة: هي أم حصن بن حذيفة، من بني فزارة.
(٤) الحفيظة: الغضب. واللوثة: الضعف مع اللين.
(٥) ابداء الشر ناجذبة: مثل يضرب لشدته وصعوبته، ديوان الحماسة لأبي تمام ٢٩ - ٣٠.