[44] أبو فراس، الحارث بن أبي العلى [سعيد بن]
  قال الثعالبي، بعد الثناء الذي قدر عليه: «إن المحاسن الدالة أنه رب ملك في شعره من الجزالة، والعذوبة، والفخامة، والحلاوة، ورواء الطبع، وسمت الظرف، وعزّة الملك. لم يجتمع لأحد قبله إلّا لعبد اللّه بن المعتز. وأبو فراس يعدّ أشعر منه عند أهل الصنعة ونقدة الكلام»(١).
  قلت أنا: لو قيل لي أيهما أشعر؟ قلت: عبد اللّه بن المعتز في التشبيهات والخمريات، وأبو فراس في الحربيات.
  قال الثعالبي: «وكان الصاحب يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرء القيس وأبا فراس»(٢).
  قال: «وكان المتنبي يفرط في تعظيمه واستكثار شعره، وإنّما لم يمدحه ومدح سواه كأبي العشائر ونحوه هيبة لشعره لا إغفالا، وكان سيف الدولة وهو ابن عمّه مغتبطا بفضائله وآدابه، وكان يكرمه لأدبه ويستصحبه في غزواته لشجاعته، ويستخلفه أحيانا على أعماله لكفائته»(٣).
  وذكروا أن سيف الدولة قال يوما في مجلسه وعنده كواكب الدهر من الأدباء: من يجيز قولي منكم وليس له إلّا سيدي أبو فراس؟ ثم قال:
  لك قلبي تحله ... فدمي لم تحلّه
  فبدر أبو فراس فقال:
  قال إن كنت مالكا ... فلي الأمر كلّه
  فاستحسنه سيف الدولة وأقطعه ضيعة بأعمال منبج تغل ألفي دينار، وكانت الروم أسرته وهو جرح في فخذه بسهم أصابه نصله في فخذه وأخذوه إلى خرشنة ثم إلى القسطنطينية سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وفداه سيف الدولة سنة خمس وخمسين على ما ذكر أبو الحسن علي بن الزرّاد الديلمي، وقيل: وهم، فإنه أسر كرتين، الأولى بمنازة(٤) الكحل في التأريخ المذكور، وما عدوا به خرشنة، وهي قلعة بأوائل الروم من جهة الشام، والفرات يجري من تحتها، وقيل أنه وثب فرسه
(١) يتيمة الدهر ١/ ٣٥ بتصرف.
(٢) ن. م.
(٣) ن. م.
(٤) في الوفيات ٢/ ٩٢: «بمغارة».