[53] الإمام أبو محمد، الحسن بن بدر الدين
  يريد اغتياله من الملوك، وإن أمكنته الفرصة قتله، فإن سلم عاد، وإن قتل سلّم الرئيس ديّته لولده، وإن كان وسيما باعه آخر على أنه غلام أو جارية فينفذ الإرادة، ولا يستحلّون مخالفة الرئيس، وإن تمنّع أحدهم قتله أهله، وعظمت منهم مخافة الملوك من سنة ستمائة ببلاد العجم والعراق والشام والمغرب، وربّما استهدى بعض الملوك من صاحب قلعة الموت بعضهم متى أراد اغتيال آخر، ومن قتلاهم الآمر بأحكام اللّه صاحب مصر، ونظام الملك وزير ملك شاه، وخلائق من الأكابر، وكان منهم بقلاع ساحل الشام عالم.
  وذكر ابن خلكان، رسالة بديعة لأبي الحسين الحسن بن سنان بن راشد أحد رؤسائهم بقلاع الشام أذكرها فهي من شرط الكتاب، ولبلاغتها نظما ونثرا، وقال فيه: كان عارفا بقواعد الباطن وسرّ التأويل، رئيسا مطاعا شجاعا، وكان بينه وبين نور الدين محمود بن زنكي المعروف بالشهيد صاحب دمشق مكاتبات ومحاورات، فكتب إليه نور الدين يتهدده بسبب اقتضى ذلك فشقّ عليه ما كتب به، فكتب جوابه أبياتا ورسالة وهما:
  يا ذا الذي بقراع السيف هدّدنا ... لا قام يصرع جنبي حين تصرعه
  يا للرجال لأمر هال مفضعة ... ما مرّ قط على سمعي توقّعه
  قام الحمام إلى البّازيّ يردعه ... واستيقضت لأسود البرّ أضبعه
  أضحى يسدّ فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه
  وقفنا على تفاصيله وجمله وعلمنا ما هدّدنا به من قوله وعمله، فياللّه من ذبابة تطنّ في أذن فيل، وبعوضة تعدّ في التماثيل، ولقد قالها من قبلك قوم آخرون فدمرناها عليهم ما كانوا يصنعون، أو للحق تدحضون، وللباطل تنصرون؟
  {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}(١).
  وأما ما صدر من قولك من قطع رأسي وقلعك لقلاعي من الجبال الرواسي فتلك أماني كاذبة، وخيالات غير صائبة، فإن الجواهر لا تزول بالأعراض، كما أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض، كم بين قوي وضعيف، ودنيّ وشريف؟، وإن عدنا إلى الظواهر والمحسوسات، وعد لنا عن البواطن والمعقولات، فلنا أسوة
(١) سورة الشعراء: الآية ٢٢٧.