[56] أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن
  لي في العالم سمعة، وليتها قربت لي قليلا من الدفعة، ونويت أني لا أوجّه إليها كلاما، ولا أسلم عليها ما حييت سلاما، ولا أعود إليها ولا أعوّل عليها:
  أعاتب المرء فيما ساء واحدة ... ثم السلام عليه لا أعاتبه
  ولعلّها تعلّمت هذه الرخاصة، من بقرة صاحبتها المسمّاة غوّاصة، فإنها عقرب لسّاعة، ولا تفتر عن النميمة ساعة، وأحاشي بقرايبها من هذه الخصال التي اجتمعت فيها، ولكنني أشهد اللّه لا توكلت بعدها في كثير ولا قليل، وحسبي اللّه ونعم الوكيل، وأين هذه البقرة من بقرة أخيها عماد الدين فإنها بقرة صفراء، فاقعة تسرّ الناظرين، سالكة من كرم الأخلاق في أوضح المسالك، لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك، معظمة مكرمة منعمة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة من بقر بلقيس صاحبة سبا، إن درتها قالت أهلا وسهلا ومرحبا، وطالما قربت لي هشيمه هنيه مرية، وقابلتني بأخلاق مرضيّة، وقسمت الحبة بيني وبينها بالسويّة، لا تعاب بشيء إلّا أنها تلحق بالبقر الوحشية، فلا تزال مغلقة على نفسها، مستوحشة من أبناء جنسها، والسبب إن خالها ثور السيد يحيى ابن علي، وهو ثور برّ تقي فاضل ولي، فحسّن اللّه لها الوحدة، وبشر بالفرج بعد الشدّة، ولما أخبرت هذه البقرة الصالحة بما جرى بيني وبين تلك البقرة السفيهة، التي هي بالعقرب اللسّاعة شبيهة، قالت: ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم اغفر لنا وارحمنا واعف عنا، وأخبرتني إنها كانت مع بلقيس الوقت، الخلية من المقت، تأكل ما تشتهيه الأنفس وتلّذ الأعين، وإن قلقنا على فراقها لا يكاد يسكن، وإن الصبر عليها لا يليق ولا يحسن، وإنها كانت عندها كثيرة البركة، بحيث إنها لكثرة الدرّ لا تقدر على الحركة، فقلت: للّه درّك ودرّها، فلقد وجب عليّ شكرك وشكرها، فاصبري على فراقها فالصبر عبادة، وانتظري الفرج من اللّه فانتظاره عادة.
  انتهت المقالة وفيها دلالة على خفّة روحه وظرفه، ثم إنها في غاية البلاغة، وهي من الهزل الذي يراد به الجد، وفيها أنواع البديع ظاهرة، وأحسبه يكني بها عن نساء، لأن العرب تشبّه النساء الجميلات بالبقر. واللّه أعلم.