[87] الملك الصالح أبو الغارات طلايع بن رزيك
  هناك فرأى ابن معصوم في منامه الإمام عليا # يقول له: قد ورد عليك الليلة أربعون فقيرا من جملتهم رجل اسمه طلايع بن رزيك من أكابر محبينا فقل له:
  اذهب فقد ولّيناك مصر، فلمّا أصبح أمر من ينادي: من فيكم اسمه طلايع بن رزيك فليقم إلى السيد ابن المعصوم، فجاء طلايع وسلّم عليه فقصّ عليه ما رأى، فسار حينئذ إلى مصر وترقى في الخدم حتى ولي منية ابن خصيب، فلما قتل نصر بن عباس الخليفة الظافر إسماعيل بعث نساء القصر إلى طلايع ليستعنّ به في الأخذ بثأره وجعلن في طي الكتاب شعور النساء، فجمع طلايع الناس وسار يريد القاهرة لمحاربة الوزير عباس، فلما قرب من البلد فرّ عبّاس ودخل طلايع القاهرة، فخلعت عليه خلع الوزارة ونعت بالملك الصالح، فارس المسلمين، نصير الدين، فباشر البلاد أحسن مباشرة، واستبدّ بالأمر لصغر سنّ الخليفة الفائز بنصر اللّه إلى أن مات الفائز، وقام بالأمر العاضد لدين اللّه عبد اللّه بن محمّد وبايع له وكان صغيرا لم يبلغ الحلم، فقويت حرمة طلايع وازداد تمكّنه من الدولة، فثقل على أهل القصر لكثرة تمكّنه واستبداده بالأمر، فوقف رجال بدهليز القصر وضربوه بأسيافهم حتى سقط على وجهه وحمل جريحا لا يعي إلى داره فمات يوم الاثنين تاسع عشر رمضان سنة ست وخمسين وخمسمائة.
  وكان شجاعا كريما جوادا فاضلا، محبّا لأهل الأدب، جيّد الشعر، رجل وقته فضلا وعقلا وسياسة وتدبيرا، وكان مهابا في شكله، عظيما في سطوته، وجمع أموالا عظيمة، وكان محافظا على الصلوات فرائضها ونوافلها، شديد المغالاة في التشيع، صنّف كتاب «الاعتماد في الردّ على أهل العناد» وناظرهم عليه وهو يتضمّن إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب # والكلام على الأحاديث الواردة في ذلك، وله شعر يشتمل على مجلدين في كل فنّ، فمنه في اعتقاده.
  يا أمّة، سلكت ضلالا بيّنا ... حتّى استوى إقرارها وجحودها
  قلتم إلى انّ المعاصي لم تكن ... إلّا بتقدير الإله وجودها
  لو صحّ ذا كان الإله بزعمكم ... منع الشّريعة أن تقام حدودها
  حاشا وكلّا أن يكون إلهنا ... ينهى عن الفحشاء، ثمّ يريدها(١)
(١) الخطط المقريزية ٣/ ٢٦٠ - ٢٦١، ديوانه ط بدوي ٤٦، ديوانه ط الأميني ٧٢.