[89] أبو الأسود، ظالم بن عمرو بن سفيان بن
  يصيب وما يدري ويخطي وما درى ... وكيف يكون النّوك إلّا كذالكا(١)
  وهو لأبي الأسود الدؤلي من أبيات يهجو بها جد القاضي الحصين بن أبي الحرّ العبدري(٢)، فقال الرجل: إن رأى القاضي إن يدنيني منه حتى أقول شيئا فعل، فقال: أدن فدنا، وقال: إن أحقّ من يستر هذا الشعر لأنت، وقد علمت فيمن قيل، فتبسم القاضي وقال: إن فيك مصطنعا وغرم عنه ما كان يطالب به.
  قال: وكان أبو الأسود يجلس إلى فناء امرأة بالبصرة وكانت برزة(٣) جميلة، فقالت له: يا أبا الأسود هل لك أن أتزوجك فإني صناع(٤) الكف، حسنة التدبير، قانعة باليسير، قال: نعم، فجمعت أهلها وتزوجته، فوجد عندها خلاف ما قدّر، وأسرعت في ماله، ومدّت يدها إلى خيانته، فغدا على من كان حضر تزويجها من أهلها، فسألهم أن يجتمعوا عنده ففعلوا، فقال:
  أريت امرءا كنت خاللته ... أتاني فقال اتّخذني خليلا(٥)
  فخاللته ثم أكرمته ... فلم أستفد من لدنه فتيلا
  وألفيته حين جرّبته ... كذوب الحديث سروقا بخيلا
  فذكّرته ثم عاتبته ... عتابا رقيقا وقولا جميلا
  فألفيته غير مستعتب ... ولا ذاكر اللّه إلا قليلا(٦)
  ألست حقيقا بتوديعه ... واتباع ذلك صرما طويلا؟
  فقالوا: بلى واللّه يا أبا الأسود! قال: تلك صاحبتكم، وقد طلقتها لكم، وأنا أحبّ أن أستر ما أنكرت من أمرها، فانصرفت معهم(٧).
  وسأله رجل شيئا فمنعه، فقال له: يا أبا الأسود واللّه ما أصبحت حاتميا
(١) الأغاني ١٢/ ٣٧٥ - ٣٧٦، معجم الشعراء ٣١٧ وفيه «إنها لفرات بن حيان، وقيل لأبي سفيان بن الحارث» ديوانه ٤٧.
(٢) في الأغاني: «العنبريّ».
(٣) امرأة برزة: متجالّة تبرز للقوم يجلسون إليها ويتحدثون عنها، والبرزة من النساء أيضا: الجليلة الموثوق برأيها وعفافها (لسان العرب مادة برز).
(٤) امرأة صناع اليدين: حاذقة ماهرة بعمل اليدين.
(٥) أريت: أصله أرأيت، يقولون: أرأيتك بمعنى أخبرني.
(٦) استعتبه: استرضاه، وطلب منه العتبى. أعطاه العتبى أي أرضاه.
(٧) الأغاني ١٢/ ٣٦٠ - ٣٦١، ديوانه ١٢٢ - ١٢٣.