نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر،

يوسف بن يحيى المؤيد (المتوفى: 1121 هـ)

[93] الخليفة المأمون، أبو الفضل وأبو العباس،

صفحة 299 - الجزء 2

  الأعوان، تحلى بحلية الملك مرصّعة بجوهر الأدب الغضّ. وقرض من الشعر ونقده نقد الذهب فللّه ذلك النقد والقرض، وكان من أجلّاء خلفاء الإسلام، وهو أفضل ملوك الدولتين.

  وكان عالما بالأصول والنحو واللّغة وعلوم الحكمة، وفي أيّامه ظهرت كتب اليونان وأمر بتعريبها واعتنى بها وكان من الفلاسفة في حبّها وكان يناظر في كلّ فنّ.

  وهو أوّل من أمر بمساحة الدنيا فأمر بني شاكر أصحاب الرصد المشهور فخرجوا إلى بريّة سنجار وهي صحراء مستوية فقاسوا دور كرة الدنيا على ما كان رآه المأمون في كتب الأوائل، وكان رأى فيها أنّ دور كرة الأرض أربعة وعشرون ألف ميل، وكلّ ثلاثة أميال فرسخ، فيكون المجموع ثمانية آلاف فرسخ، بحيث لو وضع طرف حبل على أي نقطة من الأرض وأدرناه على كرة الأرض حتى ينتهي إلى الطرف الآخر كان طول ذلك الحبل (٢٤) ألف ميل، فسأل المأمون، أبا عبد اللّه محمد بن موسى بن شاكر وأخويه الحسن وأحمد أهل الهمم العالية في تحصيل الكتب القديمة، وبذل الأموال النفيسة في نقلها من الروم، وتعريبها وتحقيقها، وقال: أريد تحقيق ذلك، فقالوا: هذا قطعي، قال أريد عمله، فسألوا عن البلاد المستوية، فقيل لهم صحراء سنجار في غاية الاستواء، وكذلك وطأة الكوفة، فأخذوا معهم جماعة من ثقات المأمون وجاؤوا إلى صحراء سنجار فوقفوا في موضع منها فأخذوا ارتفاع القطب الشمالي ببعض اللآلات وضربوا في ذلك الموضع وتدا وربطوا فيه حبلا طويلا ومشوا إلى الجهة الشمالية كفعلهم الأول ولم يزل ذلك دأبهم حتى انتهوا إلى الموضع الذي أخذوا فيه ارتفاع القطب فوجدوه قد زاد على الارتفاع الأوّل درجة فمسحوا ذلك القدر من الأرض فبلغ ٣٦ ميلا وثلثي ميل، فعلموا أن كلّ درجة من الفلك يقابلها من سطح الأرض ٣٦ وثلثا ميل، ومن المعلوم أن عدد درج الفلك ٣٦٠ فضربوا في ستة وثلاثين ميلا وثلثي ميل فكان أربعة وعشرين ألف ميل، وهي ثمانية آلاف فرسخ، وعادوا إلى المأمون وأخبروه، فأراد تحقيق ذلك في موضع آخر فسيرهم إلى الكوفة، ففعلوا كما في سنجار فتوافق الحسابان وعلم المأمون صحة ما حرره القدماء.

  وكان المأمون يظهر أن مذهبه مذهب القائلين بالنص والوصية من الشيعة، فلذا بايع الناس للإمام الرضا # بالعهد، وأمر فنودي برئت الذمّة ممن ذكر