نسمة السحر بذكر من تشيع وشعر،

يوسف بن يحيى المؤيد (المتوفى: 1121 هـ)

[93] الخليفة المأمون، أبو الفضل وأبو العباس،

صفحة 311 - الجزء 2

  اللباس، وكلّهن يغنّين في لحن واحد هزج صنعته عليّة وهو:

  منفصل عنّي وما ... قلبي عنه منفصل

  يا قاطعي اليوم لمن ... أنويت بعدي أن تصل

  فطرب الرشيد حتى قام على قدميه فتلقاهما وهو على غاية من السرور وقال: لم أر كاليوم سرورا قطّ، وقال لمسرور لا تبقين في بيت المال درهما ألا نثرته فكان مبلغ ما نثر يومئذ ألف ألف درهم ما سمع بمثل ذلك اليوم قط⁣(⁣١).

  وحكى بعض الأخباريين: أن المأمون لاعب أم جعفر بالشطرنج بعد قتل الأمين فماراها فقالت: لعن اللّه المرا فهو أثكلني ولدي فقال: وكيف ذاك؟

  قالت: جلست مع الرشيد ألاعبه الشطرنج فتمارينا في بعض اللعب فحكمته أن غلب وحكمني أن غلبت، فلم يلبث أن غلبني فحكم أن أتجرّد من ثيابي وأمشي عريانة مقبلة ومدبرة إلى أقصى الأيوان، فاستعفيته وسألته غير ذلك فلم يعفني فمشيت مقبلة ومدبرة ثم عاودنا اللعب، فغلبته وأخذت بيده ودرت به القصر حتى أوقفته على أقبح جارية فيه، فقلت: حكمي أن تجامع هذه على هذه الحال التي هي فيها فاستعفاني، فلم أقبل ولم أبرح حتى جامعها، فعلقت ثم جاءت بك فاثكلتني ولدي فعجب المأمون.

  وأنا أرى ان هذه الحكاية بعيدة وإن كانت ممكنة فبعيد أن تستقبله بهذا الذمّ الشّنيع.

  وبالجملة: فكان المأمون من كبار الأدباء والعلماء والعدلية وقد قدمنا ما قيل عنه في الرضا # وكانت وفاته بمدينة طرسوس من بلاد الشام صادرا عن غزاة الروم. قيل إنه مرّ بنهر البديدون فرأى صفاه فاغتسل فيه واصطاد منة سمكة وكان الزمان شاتيا فحمّ من ساعته فحمل إلى طرسوس فمات بها وقيل مات بالحوانيق فلمّا قرب موته أمر ففرش له رماد فاضطجع عليه وكشف رأسه وجعل يقول: يا من لا يزول ملكه إرحم من قد زال ملكه حتى مات، وهذه توبة نصوح.

  وكانت خلافته عشرين أو إحدى وعشرين سنة.

  وتوفي يوم النيروز لاثنتي عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين سامحه اللّه.


(١) الأغاني ١٠/ ٢١١.