[101] الشيخ الصاحب صفي الدين عبد العزيز بن
  وتصريع ما ألمّ بمثله الصريع، وشعره مع حلاوة الديباجة، وطلاوة التركيب التي مرحت بها طلا الدنّ، ولا سلافة الزجاجة، لا تخلو من نكتة أدبيّة ترقص المناكب، وفوائد علمية من كلّ فن تنقضّ منها الكواكب، عالم بكلّ ما يقول، عارف بغرائب النقول، أجاد فنون النظم والقريض، وأتى في الجميع بما هو شفاء القلب المريض، لأنه نظم القريض فبلغ فيه الغاية، وحمل قدّامه فحول المتقدمين الراية، كذلك هو في الموشحات والأزجال والمكفرات والبلاليق والدوبيات والقرقيات والمواليات والكان وكان والقوما وكذلك الشعر أبدع في مديحه وهجوه ورثاه وأغزاله وأوصافه وتشبيهاته وحماسته وحكمه وأمثاله.
  وأمّا نثره فهو طبقة وسطى، وترسله يحتاج إلى أن تعلق في أذنه قرطا، وكان يسافر ويتجر، وكان ينقطع في بعض الأحيان عن الاجتداء بالشعر وينزجر، وكان منقطعا إلى الملوك الأرتقية أصحاب ماردين، وكان فيه شجاعة وإقدام، وقوة وجنان، وثبات أقدام، وورد إلى مصر ومدح الملك الناصر فرج بن برقوق.
  قلت: استوفى هذا الأديب حال الصفي وأنا بالأشواق إلى معرفته.
  وكان الصفيّ من كبار الإمامية وكان عالما بالأدب، وله شرح على بديعته أجاد فيها، وله فضل السبق إلى نظم البديع في مديح رسول اللّه ÷ وإنّما تبعه الحموي والموصلي والعميان أعنى محمد بن جابر الأندلسي صاحب بديعيتهم، وعندي إن أجود شعره النبويات، وديوان شعره مشهور، فما خامرني خمره، وهزّني بنسمته عطره، من روضيّاته:
  قد نشر الزنبق أعلامه ... وقال كلّ الزهر في خدمتي
  لو لم أكن في الحسن سلطانه ... ما رفعت من دونه رايتي
  فقهقه الورد به هازئا ... وقال ما تحذر من سطوتي
  وقال للسوسن ماذا الذي ... يقوله الأشيب في حضرتي
  فامتعض الزنبق من قوله ... وقال للأزهار يا عصبتي
  يكون هذا الجيش بي محدقا ... ويضحك الورد على شيبتي
  وأحسب أنّ ابن نباتة أخذ من هنا قوله:
  حسب الفتى بعد الصّبا ذلّة ... أن يضحك الشيب على ذقنه(١)
(١) ديوان ابن نباته المصري.