مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

[بحث في التضرع والاستغاثة والتوسل]

صفحة 117 - الجزء 1

  قَالَ: «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ (يس) خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ»⁣(⁣١).

  قَال الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ⁣(⁣٢)، وَفِي (الإِحْيَاءِ) لِلْغَزَالِيِّ⁣(⁣٣)، وَ (العَاقِبَةِ) لِعَبْدِ الْحَقِّ⁣(⁣٤) عَنْ أَحْمَدَ [بْنِ حَنْبَل] قَالَ: إِذَا دَخَلْتُم الْمَقَابِرَ فَاقْرَأوا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ، وَ {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١}، وَاجْعَلُوا ذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ؛ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِم⁣(⁣٥).

[بحث في التضرع والاستغاثة والتوسل]

  وَأَمَّا التَّضَرُّعُ وَالاِسْتِغَاثَةُ فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِذَلِكَ مُجَرَّدَ القَبْرِ، أَوْ مَنْ فِيهِ؛ لاِعْتِقَادِ أَنَّهُ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا شَكَّ فِي قُبْحِهِ، وَذَلِكَ غَيْرُ وَاقِعٍ فِيمَا نَعْلَمُهُ فِي هَذِهِ الأَقْطَارِ، وَلَوْ ظَهَرَ وُقُوعُهُ لَأُنْكِرَ عَلَى فَاعِلِهِ.

  وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ: الدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ، وَالتَّوَسُّلَ بِالأَخْيَارِ، فَذَلِكَ غَيْرُ مَمْنُوعٍ بَلْ مَشْرُوع، وَالأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ مَسْطُورةٌ مَشْهُورَة.

  وَلَمْ يَأْتِ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ بِمَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ لَا حُجَّةً وَلَا شُبْهَة، فَيَتَوَجَّه الْخِطَابُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فَرْشُهَا لَمْ يُشِرْ فِيهِ بِدَلِيلٍ وَلَا شُبْهَةٍ قَطّ.


(١) ورواه الثعلبي المفسر في تفسيره (الكشف والبيان) (٨/ ١١٩).

وانظر (المغني) لابن قدامة وهو في فقه الحنابلة (٣/ ٥١٩).

(٢) (غاية الإحكام) للمحب الطبري (٤/ ٤٠)، وقال: «أخرجه الحافظ أبو منصور [عبد الله بن الوليد] في جامع الدعاء الصحيح». وانظر: (شرح الصدور) للسيوطي (ص/٣١٢).

(٣) (إحياء علوم الدين) للغزالي (٤/ ٤٧٦).

(٤) عبد الحق الإشبيلي المالكي في كتابه (العاقبة في ذكر الموت). انظر: (التذكرة) للقرطبي (١/ ٩٦)، (شرح الصدور) (ص/٣١٢).

(٥) ورواه عن أحمد بن حنبل أيضًا: القرطبيُّ في (التذكرة) (١/ ٩٦).

وقال ابن قُدَامَة الحنبليُّ في (المغني) (٣/ ٥١٨): «وَلَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ اقْرَءُوا آيَةَ الْكُرْسِيِّ، وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ {قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ١}، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ». ونقل هذه الرواية أيضًا: المرداوي الحنبلي في كتابه (الإنصاف) (٢/ ٥٥٩).