الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة
  والجواب عليه: أنَّه رَمَاهم بما ليس عندهم، ودَهَاهم بما لم يكن من معتقدهم، ولا سبب لذلك إلَّا الاعتراض على هَدْيِهم، وعدم التدبر لصحيح مقالهم، فنعوذ بالله من غَلَبَة الأهواء، والانقياد لحكم الهوى.
  والذي يغلب في الظن أَنَّه إنِّما اطَّلَع عَلَى كلام عالم آل محمد: عبد اللَّهِ بن الحسين ª في كتابه (الناسخ والمنسوخ)(١) - حيث قال: إنَّ آية المشيئة ناسخةٌ لقوله تعالى: {وَلَيۡسَتِ ٱلتَّوۡبَةُ لِلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِ ...} الآية [النساء: ١٨]، وأَنَّه لَمَّا شَقَّ ذلك عَلَى المسلمين فتشاكوا أُنزلت آية المشيئة.
  وقال #: «لا أعلم بين الناس اختلافًا في أنَّ هذه الآية ناسخة لما قبلها» - لم يظهر له مرام مولانا #، فَحَمَل النسخَ عَلَى التخصيص، وإلَّا فمرامُ الإمام # أنَّ اللَّهَ تعالى زاد في أَجَلِ التوبة إلى وقت الغرغرة، فأولُ الكلامِ وأوسطُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الآية في التوبة؛ فإنَّه قال #(٢):
  «وأرجأ أهل الذنوب، فلم يخص أحدًا منهم لترك قبول توبته إذا تاب، وهذه آيةٌ مُبْهَمَةٌ، أخبر اللَّهُ فيها عن قُدْرَتِه، وأنَّه يغفر ما شاء لمن يشاء، غير أنَّه لا يشاء أنْ يغفرَ لأهل الكبائر الذين يموتون عليها».
  قال(٣): «ولعمري إنَّ من مات على غير توبة من أهل الوعيد».
  فالفقيه نَظَرَ في كلامه، ولم يتدبر مرامه، ولا يخلو من أحد أمرين: إمَّا أنَّه قَصَّر في النَّظَر، وهذا قصورٌ لا يليق بالعلماء، أَو أنَّه لَمَّا رَأَى قولَه: إنَّ الآية منسوخة، أراد أن ينسبَ إلى الآل أَنَّهُم يُخَصِّصُونَ آيةَ المشيئة(٤) بآية الوعيد؛ لينصر مذهبه الواهي.
(١) الناسخ والمنسوخ (ص/١٤١).
(٢) الناسخ والمنسوخ (ص/١٤٠).
(٣) الناسخ والمنسوخ (ص/١٤٠).
(٤) والصواب: أنهم يخصصون آية الوعيد بآية المشيئة. تمت من المؤلف (ع).