الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة
  بِظُلۡمٍ أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ ٨٢}[الأنعام].
  والدلائلُ عَلَى هذا كُلِّه مُشْرِقَةُ الْمنار، متجليةُ الشموس والأقمار، ولنورد طَرَفًا - تأكيدًا لِمَا سَبَق - مِمَّا فيه إنْ شاء اللَّهُ تعالى غُنْيَة عن الإكثار، مستعينين بالله الواحد القهار.
  منها: أَنَّ آي الوعيد التي هي في مقام الزجر والتهديد، ممن لا يُبَدَّلُ القولُ لديه وليس بظلامٍ للعبيد، لو كانت مخصَّصَةً بغير التائب وذوي الصغائر من العصيانِ، لكان ذلك نَقْضًا للحِكْمَة؛ لِمَا فيه من إِغرائهم عَلَى القبائح، ولَسَقَطَ وجوبُ التحفظِ المعلوم من الدين ضرورةً عَمَّا لا يَرْضَاه من العِصْيان والفضائح، وناقض: {۞إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡيِۚ يَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ ٩٠}[النحل].
  ولينظر الناظرُ لو قَدَّرَ التخصيصَ متصلاً عند تلاوةِ مَا يَشَاءُ من عمومها، ويعرضه عَلَى ما أَراد مِن منطوقها ومفهومها، ليعلم مضادَّتَه لقصد الحكيم، ومناقضتَهُ لمصدر الوعيد من العزيز العظيم.
  ومن المعلومِ عند ذوي الأَنظار السليمة، والأَفكارِ القويمة أنَّ بقاءَ التكليفِ لا يستقيم مع عَدَمِ التخويف، وأنَّ صدورَ أَيّ إِطماعٍ ينافي حكمةَ الخبيرِ اللطيف.
  كيف وقد أَمَرَ خِيرَتَه ÷ من ذوي العصمة أنْ يُبَيِّنَ خَوفَه من العذاب من مُطْلَقِ العصيان، مع أَنَّه لا يجوز عليه انتهاكُ أيِّ حُرْمَة، وتَوَعَّدَه عَلَى القليلِ بما فيه غايةُ النَّكَالِ والنقمة، {إِذٗا لَّأَذَقۡنَٰكَ ضِعۡفَ ٱلۡحَيَوٰةِ وَضِعۡفَ ٱلۡمَمَاتِ}[الإسراء: ٧٥].
  وقد عَلِمَ اللَّهُ سبحانه أَنَّه سَينظر في وَعْدِه ووعيده ذووا الذَّوْقِ والنَّظَر، ويَفْحَصُ عن تصريحها وتلويحها أَرْبَابُ الفَحْصِ والْفِكَر، فانظروا هل استثنى اللَّهُ تعالى في شيء من آي الوعيدِ بالخلود في العذاب الشديد، غيرَ التائبِ وصاحبِ الصغيرة أحدًا من العبيد، وهو في مقام البيان، {تِبۡيَٰنٗا لِّكُلِّ شَيۡءٖ}[النحل: ٨٩]، {تَنزِيلٞ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ ٤٢}[فصلت]، {مَّا فَرَّطۡنَا فِي ٱلۡكِتَٰبِ