مجمع الفوائد المشتمل على بغية الرائد وضالة الناشد،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة

صفحة 183 - الجزء 1

  مِن شَيۡءٖۚ}⁣[الأنعام: ٣٨].

  ومنها: أَنَّه قد قَصَّ ونَصَّ نصوصًا بَيِّنَةً جليَّةً عَلَى إِحْبَاطِ أَعمالِ المؤمنين إن ارتكبوا معاصيَ غيرَ مُخْرِجَةٍ من الملة قطعًا.

  وإذا كانت تُحْبَطُ أعمالُهُم بالْمَنِّ والأَذى ورَفْعِ الصوت فما بالك بما فَوقها من مُجَاوَزَةِ الحدودِ والاعتداء؟!

  بل شَبَّهَهُم اللَّهُ تعالى بالخارجين عن الملة بقوله ø: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُبۡطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلۡمَنِّ وَٱلۡأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنفِقُ مَالَهُۥ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلَا يُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۖ فَمَثَلُهُۥ كَمَثَلِ صَفۡوَانٍ عَلَيۡهِ تُرَابٞ فَأَصَابَهُۥ وَابِلٞ فَتَرَكَهُۥ صَلۡدٗاۖ}، إلى قوله: {وَٱللَّهُ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡكَٰفِرِينَ ٢٦٤}⁣[البقرة].

  وإذا حبطتْ أعمالُهُم دَلَّ عَلَى تخصيص آي الوعد التي فيها عَدَمُ ضياعِ أعمالِهِم، وعَدَمُ كُفْرَانِ سَعْيِهم، وكَتْبها لهم.

  هذا إن كان الكلامُ فيمن قد سَبَقَ له ذلك، ودَلَّ عَلَى شمول آي الوعيد لهم ولجميع العصاة بنحو قوله تعالى: {وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَإِنَّ لَهُۥ نَارَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدًا ٢٣}⁣[الجن]، {وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ}⁣[النساء: ١٤] الآيَةَ⁣(⁣١)؛ إذ ليس الموجب لتخصيصها إلَّا الوعد على أعمالهم، وقد تَبَيَّنَ أَنَّهَا تَبْطُل وتضمحل، فذلك أعظمُ دليلٍ عَلَى أَنَّهُم عصاةٌ مؤاخذون، داخلون في ضِمْنِ قولِهِ ø: {وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ} الآيةَ، دُخُولًا مَقطوعًا به دَلَالةً وإِرادةً.

  [قاعدة أصولية]

  إذ الكلامُ في أمثالِ هذا المقام مُرَتَّبٌ عَلَى قاعدةٍ أُصوليَّة، وهي: أنَّ العَامَّ في الأُصول المقطوع بمتنه مَقطوعٌ بدلالته على جميع أفراده، وإرادتها، لا احتمالَ فيه، فلا يُخَصُّ إلاَّ بقاطعٍ مثله؛ لأنَّ الحكيمَ لا يُكَلِّفُنَا بالعِلْمِ ولا يَنْصِبُ لنا عليه إلَّا


(١) والآية بتمامها: {وَمَن يَعۡصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُۥ يُدۡخِلۡهُ نَارًا خَٰلِدٗا فِيهَا وَلَهُۥ عَذَابٞ مُّهِينٞ ١٤}